« الحب الحئيئي »!

لا أعلم ما الذي منعني من ترشيح نفسي في انتخابات المجلس الوطني الأخيرة، أنا متأكد من أنني كنت سأكتسحها تماماً.. وفي جميع الإمارات! ففي أحيان كثيرة أصل إلى قناعة بأنه لا يوجد شخص محبوب أكثر مني، كان المرحوم يوقع على يدي وظهري بالخيزرانة، ثم يفسر لي بعد أيام عدة من الحدث، أنه كان يضربني لأنه « يحبني »، ولا يريد بي إلا كل خير.. مطوع الفريج منعني من الذهاب إلى السينما والنادي والسفر مع الشباب « الشليتية »، لأنه كان « يحبني » أيضاً.. المدرسون والناظر كل منهم عبر عن « حبه » بطريقته الخاصة، ما بين العصا ذات اللدغة الكهربائية الخاصة بمدرس العلوم، والمفتاح الذي يتم الضغط به على شحمة الأذن الخاص بالمشرف الاجتماعي، مروراً بمسطرة الرياضيات وحاملة الخرائط في الجغرافيا، وبالطبع « عقال » التربية الوطنية.

لم يسمح لي بالاستفادة من المنحة التي حصلت عليها للدراسة في الخارج، لأن العائلة « تحبني »، ولا تقدر على فراقي، ولم أحصل على الترقيات التي كنت أتمناها، لأن الموظفين « يحبونني »، ولا يريدون مني الانتقال إلى الطابق الأعلى.. حتى تلك المرأة لا تعيرني أي اهتمام، لأنها ترى أنه يكفي « أنني أسكن في قلبها »، الحب هبة لا تعطى لأي كان فحافظوا عليها!

لذا لم أستغرب كثيراً في الأسبوع الماضي عندما طلبت مني مجموعة من الفتيات المواطنات المتحمسات أن أساعدهن على نشر بعض أخبار أنشطتهن في عدد من وسائل الإعلام المحلية، من باب العلاقات بين الإعلاميين في الدولة، التي تقوم كثيراً على مبدأ « حكلي واحكلك »، سرب خبري إلى وسيلة الإعلام « أ »، وغداّ سيصل إلى وسيلة الإعلام « ب »، لكن النتيجة الحتمية كانت أن معظم الزملاء في وسائل الإعلام المحلية اتصلوا بي ناصحين، وقالوا لي إنه من باب أنهم « يحبونني » جداً فسيسدون إلي النصيحة التالية: « هذه الأخبار تافهة ولا تستحق النشر، اطلب من الفتيات العمل على شيء أفضل، وفيه قليل من ( الأكشن )، ونحن نقول لك هذا الكلام لأننا نحبك!»، وقد نقلت الرسالة بكل صدق إلى صاحبات النشاط.. ولكن الغريب أنه في اليوم التالي مباشرة عددت سبع مطبوعات محلية وأربعاً مرئية واثنتين مسموعة تبث خبر قطع السيد المحترم « جاستن بيبر » علاقته بالمحترمة الأخرى « سيلينا جوميز »، والعلاقة بالطبع هنا تعني (علاقة)، ولا تعني مغازلة على التليفون كما هو الأمر لدينا! مراهقان منحلان ينفصلان فلا تبقى وسيلة إعلام محلية من دون تغطية الخبر التافه، الذي تراوح حجمه بين النصف صفحة والـ300 كلمة، بينما لا تجد لمجموعة نذرت نفسها لعمل تطوعي وطني سطرين!.. والذي « يبط » الكبد فعلاً هو أن وسائل الإعلام في كثير من الأحيان تردد كالببغاء ما يترجم لها من الإعلام الدولي من دون النظر إلى الهوية والقيم الاجتماعية لدينا بحيث يرتبط « جاستن بيبر » وينفصل، وهو لم يبلغ الـ،17 بينما يكفينا نحن المظاليم أن « نعق » كلمة على إحداهن في « السنتر » لتتصدر صورنا صفحات الجرائد في اليوم التالي، ولكن تحت عنوان مختلف.. « القبض على معاكس! ».

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة