استقالة الرميثي
قبل أيام استقال من رئاسة اتحاد كرة القدم محمد خلفان الرميثي، ترجل الفارس عن صهوة جواده بعد رحلة عطاء تجاوز خلالها العديد من العقبات وقفز فوق كثير من الحواجز وقهر أحلك الظروف وواجه التحديات بقلب مؤمن ونظرة واثقة، خدم الصغير والكبير وكان شرفاً للمسؤولية أكثر من كونها تشريفاً له، وكان حلمه الخاص خدمة وطنه والارتقاء باسمه عالياً خفاقاً في كل المحافل الدولية، حاملاً الإمارات في حنايا روحه أينما حل ورحل، هذا الرجل لم يغره المنصب، ولم يبدل طيب معدنه الكرسي، ولم يكن عاشقاً للشهرة والأضواء ولا باحثاً عن الإثارة الإعلامية، بل كان صامتاً باسقاً بعطائه، باحترامه وهيبته التي تجبر الجميع على الإنصات إليه، وفي الوقت نفسه كان مستمعاً جيداً يحترم وجهات النظر ولا يسفهها مهما بلغت سذاجتها، وعندما سُئل مرة «متى ستترك رئاسة اتحاد الكرة؟»، أجاب بتواضع «عندما يطلب مني المعازيب (الشيوخ)، فأنا أقول لهم السمع والطاعة»، مجسداً ما جُبل عليه الإماراتيون من حب وطاعة لأولياء الأمر، لم يتعال الرميثي في الإجابة ولم يدّع بطولة زائفة، بل كان شفافاً واضحاً، وحين سأله ذات مرة المعلق عدنان حمد في برنامجه عبر قناة دبي الرياضية عن قرار إقامة بطولة كأس الخليج العربي باليمن في ظروف الأحداث آنذاك، كانت إجابته «هذا الأمر متروك للحكومة، فأنا لا أملك القرار»، وبعد خسارة الإمارات من لبنان في تصفيات كأس العالم الأخيرة قدم الرميثي استقالته متحملاً مسؤولية الخروج وحده، لم يضع الأعذار الواهية أمام الرأي العام، ولم يتهم أحداً بالتقصير ولم يعنف أحداً، لكنه وضع نفسه في فوهة المدفع راضياً بالقرار، إلا أن الاستقالة آنذاك لم تقبل من سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان الرئيس الفخري للاتحاد، واحتراماً منه لرغبة سموه بقي في منصبه، حتى استقال أخيراً، فصدمنا، وإن كنت أتمنى أن يعاد النظر فيها، فقد كان وجهاً مشرقاً للرياضة الإماراتية، وتسلم المسؤولية بكل شجاعة، رغم المؤشرات السلبية والتراجع الفني للمنتخب الأول، وقد عمل جاهداً على أن يكون للمنتخبات السنية مكان في البطولات، ونجح في ذلك، وعزاؤنا الوحيد في خروجه الرياضي وخسارته أن يُسند إليه منصب أكبر في الدولة التي طالما احتضن أحلامها في عينه وهدهدها طويلاً، وعلى الصعيد الشخصي يملك بوخالد من شيم الوفاء والنخوة وأخلاق البداوة الأصيلة الرفيعة ما تجعل من يجهله ولم يعرفه عن قرب يمنى بخسارة فادحة، نسأل الله عز وجل في علاه أن يعلي قدر هذا الرجل بقدر ما عمل وأخلص واجتهد وأعطى بلا منة، ونتمنى أن تكون محطته القادمة خيراً من الفائتة معجونة بالفرح والبهجة والأماني الطيبة لتليق بقامة رجل نادر مثل محمد الرميثي.
إعلامي كويتي