أبواب
شعلة تضيء العالم
الربيع العربي أتى عبر عربة البوعزيزي الذي مرّ عام كامل على الشرارة التي «أبدعها» في صورة احتجاج ناري، كتبه بجسده، ذات يأس من استمرار آلة القمع والحرمان، وغياب العدالة، وتراكم البطالة والفساد، وتلبد العتمة يوماً بعد يوم في بلده تونس. ولأن البوعزيزي عرف «بأس اليأس» تماماً، وأن اليائس قوي لدرجة أنه يزلزل الأرض ويمضي غير آبه بخسارة، لأنه لن يخسر شيئاً، وهذا ما حدث مع الشاب التونسي الذي أبدع احتجاج اللهب في الهواء الطلق قدام دار البلدية، بوصفها رمزاً للنظام، ورمزاً لمطاردة الباحثين عن رغيف خبز نظيف.
الشاب الشهيد، الجامعي الذي دأب على جرّ عربة الخضار مصدر رزقه، بعدما دهمته البطالة، وجعلت من شهادته مجرد ورقة يمكن أن تعلق على جدار، كما لو أنها شهادة تذكارية، أبى الذل، ليكتب شهادته بالنار، وليغدو بعد ذلك أيقونة للثورات العربية وحركات الاحتجاج في العالم.
عام كامل مر على «شرارة البوعزيزي»، حين وقف في الـ17 من ديسمبر من العام الماضي، وأشهر شرارة جسده في وجه الطغيان، احتجاجاً على الظلم الذي امتد ليطال الشعب. عام كامل مر على تلك الشرارة التي تمتد ليصحو العالم من «سبات» طال سنوات عديدة.
محمد البوعزيزي، أعلن باللهب إطلاق زمن جديد، زمن التغبير والتعبير والاحتجاج والصحو والنهوض والعزة والكرامة والحرية للإنسان، ليأتي الربيع العربي على «عربة خضار»، ذلك الشاب الذي رفض الصمت على القهر والجوع والإهانة والقمع والذل، ليغدو أيقونة أولى في ربيع الثورات.
وبعد استشهاد البوعزيزي، ابن مدينة سيدي بوزيد، في الرابع من يناير الماضي، وقفت والدته باعتزاز، لتعبر عن فخرها بتضحية ابنها، وتصفه بأنه «شعلة تضيء العالم».
وصدق قلب الأم الذي انفطر حزناً على فراق ابنها، إذ تحركت عربة الخضار لتكتب تاريخاً جديداً في الوطن العربي، وكذلك في مناطق عدة في العالم، لتنهض شعوب عانت سنوات تحت العتمة والظلم، ولتتسع حركة المحتجين في العالم.
محمد البوعزيزي، ولكيلا ننسى شهداءنا وأيقوناتنا ورموز التغيير الجديد، دخل التاريخ، لكن هل يدخل كتاب النسيان العربي؟ هذا ما يخشاه كثيرون، إذ إن الاحتفاء بشعلة البوعزيزي كان في الخارج أكثر منه في الداخل العربي، إذ اختاره البرلمان الأوروبي لجائزة ساخاروف لحرية الفكر، وأعلن عمدة باريس عن إطلاق اسمه على ميدان في المدينة، وكذلك وضع تمثال تذكاري له في باريس بوصفه «شعلة للإنسانية».
في الربيع العربي، تحول عدد من الشهداء إلى أيقونات للثورات في بلادهم، من بينهم الطفل حمزة الخطيب أيقونة الثورة السورية، لكن يبقى سؤال: هل ندخل شهداءنا سجل الذاكرة أم سجل النسيان؟
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .