مبادرة سلطان
حتى في مبادراته لا يغيب عنه الوعي الإنساني والثقافي.. هو كما يكون المفكر الحقيقي بصدق.. ربما يشير هذا الفعل إلى كيفية تفكير المفكرين والمثقفين تجاه مثل حدث كهذا.. سواء على مستوى آرائهم أو وجهات نظرهم، وحتى مبادراتهم تجاه القضايا اليومية.. يكشف د. سلطان القاسمي عن أحد أهم جوانبه الفكرية الإنسانية، التي لم تكن خافية على أحد، لتأتي مكرمته تجاه الحبيبة مصر.
جلّ ما اهتم به هو حماية تلك النسخ القيمة، كونها تشكل لديه إرثاً إنسانياً ثقافياً علمياً تاريخياً وتراثاً وهوية.. عندما قال: «أبشر مصر بأنني سأهديها معظم الكتب والمخطوطات الأصلية التي أحرقت».
وحده المفكر من ينتبه إلى حقيقة وأهمية الأشياء، مستبعداً مشهد الحرب والأزمات السياسية وممارسات المخربين والحارقين، والخارجين عن الوعي والحب.. مشهد له دلالته السياسية إلا أنه كان قادراً على التقاط الحقيقة لمبنى ليس كأي مبنى، وهو مبنى المجمع العلمي في القاهرة.
وحدهم المفكرون قادرون على التغيير والتقاط القضايا المهمة.. أوحدهم من يشكلون الآراء الرائعة، لتصل إلى النور أو الهدف، إما لوعي الناس أو لتغيير الهدف نفسه، والبحث عن جوهر مشترك في التراكم الثقافي الإنساني..
فالهوية الثقافية كالخصوصية القومية، لا تعني العزلة والانقطاع عن الهويات والخصوصيات الأخرى.
وحده المثقف الذي يعي تاريخه ووقائعه وهزائمه، وأين تكون مشاركة التقدم الإنساني.
فالمثقف يضطلع بدوره الحقيقي تجاه أسس وأهداف ورؤى سامية،
تتجاوز الرؤية والفكر الآني، من خلال الاهتمام بالرموز البشرية والمكانية، هذا المنظور الفردي للمثقف تشعب مع رؤية القاسمي، ليعلن أن ثمة أفرادا قادرين على إدارة فكرهم، لتكريس الموروثات الثقافية التاريخية لما تمثله من أهمية للبشر في التماس مع أمن أرّخ وخط بيده نورا مضيئا يمثل منهجا في حياة البشر، لجعلها حقيقة على اعتبار أهمية دور المثقف في تكوين أساسي لصناعة الإنسان فكرا وروحا.
سلطان المثقف الواعي.. الروائي المؤرّخ.. ليس وحده من يقدّر مثل هذه النفائس، لكنه وحده من استطاع واتخذ قراره بعد ساعات من وقوع الكارثة المفتعلة، لتفريغ تاريخنا العربي من مضمونه ووثائقه النادرة.
تلك المبادرة التي أبكتنا جميعا من الفرحة.. حملت حبا من حاكم أديب وإنسان خيّر تجاه البشرية، وقدمت مثالا ونموذجا لصورة المثقف العربي.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .