ميزان الطبيعة وروح البشر

عام 2011 كان مكتظاً بالأحداث الكبرى، خصوصاً على الصعيد العربي، مع انطلاق «الربيع العربي» لحظة انطلاق شرارة جسد البوعزيزي، حتى ان كاتباً أطلق عليه «عام الجسد»، خصوصاً أن عدداً من المحتجين العرب أشعلوا النار في أجسادهم، بعد شرارة ابن تونس.

ذلك العام الذي دخل الماضي، كان مشحوناً بتراجيديا متعددة الجوانب، فالطبيعة هاجت وماجت في بلدان، وخلّفت الكثير من الضخايا، فالطبيعة تحتج أيضاً، على الخلل الذي يحدثه الإنسان في ميزانها، فكلما اعتدى الإنسان على الطبيعة زادت رد فعلها، عبر زلازل وبراكين وفيضانات وعواصف، وهي بذلك تقول لنا عبر صرختها العالية أن نكف عن اختبار صبرها، وأن نكف عن العبث في موازينها، وأن نتوقف عن اعتبارها مجرد ثروة أو كنز يمكن استنزافه عبر تكسير جبال بحثاً عن ذهب أو حفر جوف الأرض بحثاً عن ألماس أو كبريت أو فوسفات أو نفط أو غاز، بشكل جائر.

الطبيعة لا تقبل الظلم، وهذا أحد قوانينها. إن اعتدينا عليها وظلمناها لن تسكت طويلاً، ففي لحظة ما تدهمنا قواها لتعصف بالبشر والبنايات، وفي هذا إشارات إنذار قوية لنا، للتوقف عن اعتبار الطبيعة «آخر»، والتوقف عن اعتبار البشر أعلى منها، وبالتالي يروجون مفهوم «السيطرة» على الطبيعة، أو التحكم فيها، أو إخضاعها، عبر أنشطة جائرة، وهم بذلك يظنون أن الطبيعة ما هي إلا «كنز» مادي فقط. وحين تهيج الطبيعة لتعصف بحياتنا، نلوذ إلى صمت، ونحصي عدد الضحايا، كما لو أنها كائن مفترس، لكن حقيقة الأمر، أن الإنسان نفسه هو الذي «يعبث» وهو الذي «يتسلط» على هذه الأم الكبرى لكل البشر.

في العام الذي مضي منذ ثلاثة أيام، نهض «الربيع العربي» بعد ما فاض الكيل، وبعدما «عبث» رؤساء بحياة شعوبهم، وتلاعبوا بمصائرهم، وامتصوا خيراتهم، وزجوا آلافاً في السجون وجوعوا آلافاً وقمعوا من قمعوا وقتلوا من قتلوا، وفق مفهوم «السيطرة» أيضاً، حتى ظن هؤلاء الرؤساء أن بإمكانهم عبر التنكيل والتجهيل والتجويع والظلم والقهر أن يسكتوا الشعوب المقهورة، لكن خاب ظنهم، كما خاب ظن الإنسان بسكوت الطبيعة، فقام «الربيع العربي» منطلقاً من شرارة الجسد، ليطيح بمن تحكموا في البلاد وتجبروا، ولايزال زلزال الشعوب يهز كراسي الطغاة، ومنهم من اقترب موعد سقوطه، وربما يلتقي ربيع شعب مع فصل الربيع، لتزدهر الطبيعة وتزدهر أرواح الناس بالحرية والكرامة والحياة الكريمة في الوقت نفسه.

وكما تحتفل الطبيعة بتفتح الزهور، وتتجلى في فصل الربيع، وتنتعش روحها، كذلك تتفتح زهرة الحرية في أرواح البشر وفي الأرض، وتتجلى في بهجة تضيء القلوب، وتمحو عتمة سنين من القهر.

تثور الطبيعة على الاستبداد، كما تثور الشعوب. وشهدت نهاية العام 2010 شرارة البوعزيزي، ليستشهد في بداية العام الماضي، ثم يمتد زلزال الربيع والتغيير وكسر حاجز الصمت وجدار الخوف من النفوس. فكما الطبيعة، هي الحياة، ميزانهما دقيق، وصبرهما يطول لكن لا يتأبد، إذ التغيير والتجدد والتحول عناوين أولى في روح الطبيعة والبشر.

في بداية العام الجديد، يتجدد الحلم بالتغيير، ويتجدد الأمل برفرفة الأجنحة في فضاء الحرية والمحبة والحياة.

alialameri@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة