كل يوم
«وأحل الله البيع»..
نضج جميعاً، ويتذمر مجتمع بأسره، وتتعالى الأصوات: أين وزارة الاقتصاد؟ وأين حماية المستهلك؟ وأوقفوا جشع التجار، و«ارحموا مَنْ في الأرض يرحمكم مَنْ في السماء»، وذلك عند زيادة سعر سلعة ما، فالمجتمع بأسره ضجّ عند ارتفاع سعر البنزين، وأسعار الخيار والطماطم والورقيات وقنينة الماء، وحتى عند ارتفاع سعر (السمبوسة) والشاورما، فلماذا إذن كل هذه الضجة ما دام الأمر لم يخرج عن كون المسألة بيعاً وشراء، «وأحلّ الله البيع وحرّم الربا»؟!
نضجّ على شيء أحلّه الله، ونسكت عن مبالغات البنوك الإسلامية في زيادة الرسوم والأرباح وأخذ مال الناس بغير حق، بالمبدأ نفسه، ويستدل المدافعون عنها بالآية نفسها، فأيّ منطق هذا؟ أليس السلوك واحداً، والجشع واحداً؟ إلى متى ستظل تلك الغشاوة على أعين البعض لمجرد أن المصرف أضاف كلمة «إسلامي»؟ أوليس معظم التجار مسلمين؟ فلماذا نهاجمهم ونتهمهم بالجشع والطمع واستغلال حاجة الناس عندما يفكرون في تعظيم ربحهم على حساب حاجتنا؟!
المسألة واضحة وضوح الشمس، فانتقاد سلوك وممارسات وتعاملات مصرف إسلامي، لا يعني التهجم على الدين الإسلامي، ومن يتعمد الخلط بين هذين الأمرين، إنما يجافي الحقيقة، ويحاول استدرار العواطف، وتجييش العامة التي تهاجم لمجرد الهجوم من دون معرفة السبب، ولا أعتقد أن هذه المصارف تحتاج إلى رجال دين كي يدافعوا عنها، فهي تعرف تماماً كيف تدبر أمورها وعقودها، وكيف تكسب زبائنها، ولا داعي لمفسري الأحلام ليفتوا في عمل المصارف وفي الاقتصاد، فالتخصصان مختلفان تماماً، ولا رابط بينهما إلا الرغبة في نشر الجهل وتعميمه!
متخصص في المصارف الإسلامية، لا في تفسير الأحلام، قال في رسالة تلقيتها، أمس: «لابد من التفريق بين الفكر والممارسة، فكر الاقتصاد الإسلامي فكر ناجح، وتم اختباره علمياً وعملياً، أما الممارسة فتشوبها أخطاء كثيرة، لأنها اعتمدت على منهج التقليد، وتكييف العقود الإسلامية مع المنتجات التقليدية، في حين يجب على المصارف الإسلامية خلق فرق لابتكار المنتجات لا تكييفها وفقاً لما هو موجود في البنوك الأخرى، ثم إن المصارف الإسلامية تتجنب المضاربة والمشاركة، بسبب التردد في تحمل المخاطرة، الذي هو أساس البنوك التقليدية، وذلك أدى إلى وجود سيولة غير مستثمرة، لذلك فالسبيل الوحيد لزيادة الأرباح هو البحث عن وسائل لزيادة الرسوم»!
ويضيف هذا المتخصص «المسألة الثالثة تتعلق بتوفير السيولة للعميل، وهذا الأمر أخرج المصارف الإسلامية في شكل تاجر وليس مصرفاً، وفق فلسفة الفكر الاقتصادي الإسلامي، لذلك تمت إباحة التورق، سواء كان على عقد المرابحة أو السلَم، والمحفز هنا هو المنافسة الشرسة التي تواجهها المصارف الإسلامية، خصوصاً في ظل غياب أدوات إسلامية لدى المصارف أو المصرف المركزي لإدارة السيولة».
واختتم رسالته قائلاً: «أتفق معك على أن ذلك ليس مبرراً لمخالفة النهج السليم، ولاشك في أن تنظيم ووضع معايير موحدة للفتاوى الشرعية الخاصة بالمصارف الإسلامية، والإشراف عليها من الجهات الرقابية، سيساعد على تلافي تلك السلبيات».
وأنا أختم مقالي هذا، وسلسلة مقالات المصارف الإسلامية، بهذا الاقتباس العلمي من متخصص، لأنه بالفعل يلخص جوهر النقاش كله، بدلاً من التحريض الذي لا يستفيد منه سوى المتاجرين بالإسلام.. والدين الحنيف منهم براء.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .