أبواب
في مئوية محفوظ
في مئوية صاحب «نوبل» الروائي المصري نجيب محفوظ، نستذكر قراءات أولى لروايات سمينة كنّا نتأبطها ونسير باتجاه أبعد ركن في البيت، وكأننا نمارس حالة سرية، ونحن نتأمل صورة الغلاف التي كانت تُجملها ريشة الفنان المصري جمال قطب، الذي على الأغلب كان قد رسم جميع أغلفة نجيب محفوظ، وتجعلنا كلما ذهبنا عميقاً في قراءتنا نعاود النظر في الغلاف الذي يرينا، على سبيل المثال، جسد «حميدة» بطلة زقاق المدق، كي يزداد الفعل القرائي فينا روعة وبهجة.
وفي مئوية محفوظ تطل علينا شخصيات روائية حفرت في وعينا المبكر، بحيث خرجت من إطارها الحبري، وتجسدت أمامنا لتصبح من لحم ودم، تجسدت حد اللمس، وفي وقت قرائي مبكر كنّا نتشمم رائحة المرأة المحفوظية فيختلط حبر الرواية بالمخيال الفتيّ ليتحول الى عشق له كيميائيته الخاصة.
وفي مئوية محفوظ يطل علينا بطل الثلاثية الروائية سيد احمد عبدالجواد، بقامته المصرية العملاقة وطربوشه وشاربيه وعصاه وذكورته الأبوية الطافحة على أم الأبناء أمينة، وانفصام الشخصية العربية الموزعة بين الخلاعة والرقص ومصاحبة الغواني وعشقهن، وممارسة التعقل البيتي الصارم الذي يجعل عائلة كاملة ترتجف عندما تسمع حمحمة صوته في البيت.
وفي مئوية نجيب محفوظ يطل علينا سعيد مهران ضحية الشريحة المثقفة والانتهازية التي تتاجر بدم الفقراء وعقدهم حتى الموت، مثلما تطل علينا شخصيات الطبقة الوسطى وهي تتمزق وتتشظى في رواية «ميرامار»، أو حين بدأ التدهور الكامل للطبقة الوسطى كما حدث في رواية «ثرثرة فوق النيل».
وفي مئوية نجيب محفوظ نستذكر رواية «أولاد حارتنا» التي استطاع محفوظ من خلالها اختزال التاريخ الديني للمنطقة العربية من خلال شخصيات عادية في حارة مصرية، بلغة سردية بسيطة ونادرة.
وفي مئوية نجيب محفوظ تطل علينا الحارة المصرية بكل قوانينها وأعرافها الاجتماعية، وهو الذي استطاع بالفعل أن يؤبد هذه الحارات حبرياً، في سياق روايات متعددة، حيث أكد عراقة هذه الحارة بقوانينها وأعرافها.
وفي مئوية نجيب محفوظ نستذكر تلك المصالحة العميقة والمؤثرة بين الرواية السينمائية والرواية الأدبية، بحيث كانت الشخصيات تطفح من حبرها النائم في الرواية لتصبح شخصيات لها سحرها الخاص على المشاهد.
وفي مئوية نجيب محفوظ نستذكر محفوظ ابن الطبقة الوسطى الموظف الذي قطف جائزة نوبل واستحقها عن جدارة، بسبب تلك العصامية التي ميزته.
ونستذكر محفوظ الذي تلقى ذات مرّة طعنة في عنقه من حمقى الإرهاب، وظلّ متسامحاً في مشواره اليومي وفي قامته، ومن عشقه للكتابة، وحين خانه النظر والسمع ظل يملي احلامه اليومية على احد الأصدقاء كي يكتبها.
نجيب محفوظ في مئويتك نقول «عليك السلام».
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .