5 دقائق

«موسم التزاوج..!»

عبدالله الشويخ

من يدعِ الثقافة في مجتمعاتنا ويقوم بإنشاء مكتبة شخصية فليس أمام أسرته سوى أن تعامله بإحدى طريقتين: فإذا كانت العائلة لا تحترم الثقافة فستمنحه «غرفة السطوح»، التي كانت مخصصة في الأغلب لتربية الحمام، قبل أن يرتد ذلك الفرد عن تراث الآباء والأجداد ويتجرأ بإنشاء مكتبة في المنزل وغالباً ما يدْعي الجميع عليه بأن يُرزق بنهاية أشبه بنهاية المؤلف العربي المعروف «الجاحظ»، وبذلك يتخلص الجميع بضربة واحدة من كليهما: العنصر الفاسد، والكتب التي أفسدته!

أما إذا كانت عائلة علم ومعرفة وثقافة فإنها ستمنح الابن البار الملحق الخارجي المخصص للخدم، لوضع كتبه وطلاسمه وقضاء نزواته وعزلته، لكن هذا لن يمنع من أنهم في كل الأحوال يتمنون الأمنية ذاتها التي تتمناها عائلات الفئة الأولى، درءاً للفتنة وتحصيناً للمجتمع من أي أفكار دخيلة، والحمد لله الذي جعلني ابناً لعائلة تحترم الثقافة حتى أن إخواني أصروا عند منحي الملحق على أن تطل جميع شبابيكه على «زريبة الهوش»، وانتوا بكرامة، منهم من ادعى أن السبب يتعلق بتشجيعي على الإبداع، ومنهم من اعترف بأن «هوشنا يستسيغ طعم الأوراق الصفراء».. وما أكثرها لديّ!

الغثاء والرغاء وزقزقة العصافير جميعها تكون محتملة في الأحوال الطبيعية لمن يقوم بعمل معين أو بحث أو حتى «تشات» لا فائدة من ورائه إلا أن صوتاً واحداً يبقى عسيراً جداً على التحمل مثله مثل صوت جز الأظافر الطويلة على الزجاج أو تسحيل الطبشورة على السبورة، وهو صوت تزاوج القطط القبيح، وبالمناسبة فهذه الأيام هي الأيام الذهبية لهذه الظاهرة، ويبدو أن هناك نشاطاً إضافياً أو عرساً جماعياً لسكنة «الدرامات» لست أدري. صوت تزاوج القطط هو مزيج من أنين طفل يبكي وصرخة مذبوح ونياح نائحة مستأجرة على قبر رجل مدين! لا يمكن لمن يسمعه أن يتغنى بجمال الطبيعة وأصواتها وجمال المعزوفة التي ستنتج ثلاثة أو أربعة جراء قذرة، لا شك في أنك ستجد أحدها مدعوساً على كتف الطريق بعد أيام عدة! الحل الوحيد الذي ستقوم به مباشرة هو إلقاء أقرب نعال «وانتو بكرامة مرة أخرى»، لإفساد حفل الزواج المزعج والعودة إلى اتمام عملك!

لا أنكر مقدار اللذة التي تجتاحني كلما أفسدت زواجاً كان محتملاً لقطتين في حيّنا! هل هو الحقد؟ ها هو يأتي من أي حي آخر فيخرج بعض الأصوات المزعجة ليكون معها بعد دقائق! وأنا الذي أخرجت روحي صراخاً وأبكت رزفاتي صخور بيتنا مازلت أراها كحلم قصي، هل لأن القط يأتي كأي طرزان ولا يطلب منه سوى المجهود! هل لأن قبيلة القط تعطيه مطلق الحرية في الاختيار كما تعطيها قبيلتها الحق ذاته؟! دون النظر إلى أن جديهما السابعين كانا على خلاف قبلي بسبب «ناقة»؟! هل أحقد لأن أهل الهر لا يبالون إذا كانت القطة سيامية ؟! هل أحقد لأن البلديات تهيئ لهم «درامات» جاهزة للسكن، بينما تعطيني أرضاً خلاء؟!

...الآن أفهم لماذا يسمى التجار الفاسدون في أوربا بـ(القطط السمان) !

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر