كل يوم
بلاد الشمس
في عام ،2000 عقد مؤتمر « هاي فورم » للطاقة الهيدروجينية في مدينة ميونيخ، لبحث مستقبل استخدام الطاقة الهيدروجينية بديلاً نظيفاً ومتجدداً عن النفط، والذي لا يمكن أن أنساه، في ذلك المؤتمر، هو اعتراف جميع الحضور من خبراء وعلماء طاقة، بأن دول الخليج هي أهم منطقة في العالم لتوليد الطاقة الشمسية، وأطلقوا عليها دول الحزام الشمسي.
وكما أن للنفط الخليجي مميزات تجعله مطلوباً أكثر من غيره، كذلك شمس الخليج لها ميزات ربما لا توجد في دول أخرى، فالشمس واحدة وهي موجودة في جميع دول العالم، لكن كثافة الشمس في الدول الصحراوية أضعاف كثافتها في المناطق الباردة، وتركز الأشعة هنا يجعل من الممكن توليد طاقة تقدر بـ2800 كيلوواط في المتر المربع، في حين لا تستطيع دولة مثل ألمانيا، مثلاً، توليد سوى 1000 كيلوواط في المساحة نفسها.
وفي إفريقيا، على سبيل المثال، هناك الكثير من أشعة الشمس المناسبة، والشبيهة بدول الخليج، لكن هناك في القارة السمراء لا توجد الإمكانات المؤهلة لتوليد الطاقة، فهي بلا شك مكلفة، وتفوق إمكانات كثير من الدول الإفريقية.
هذه الأمور وغيرها جعلتنا نتميز، وللمرة الثانية على العالم، والأمر لا علاقة له بعبقريتنا بقدر ما هي هبات من الله، فهو وحده من أعطانا النفط، وهو أيضاً من أعطانا الشمس، على الرغم من استياء السكان منها، ورحيلهم السنوي عنها صيفاً، باتجاه المناطق الباردة، في حين أن أشعتها التي نعتبرها حارقة أصبحت مصدر ثروة وطاقة متجددة، لا تنضب أبداً لنا وللأجيال المقبلة، هي هبات من الخالق، أعطانا موقعاً استراتيجياً في منتصف الكرة الأرضية، وأعطانا أيضاً موقعاً فلكياً لا يقل أهمية عن الأرضي مملوءاً بأشعة الشمس، هذه الهبات تحتاج الى تخطيط استراتيجي وجدي منا، لاستثمارها على أكمل وجه.
أمس، شعرت بالفخر والاعتزاز، عندما ضغط صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم زر تدشين المجمع الجديد للطاقة الشمسية، الذي ستقيمه دبي بكلفة 12 مليار درهم، شعرت بأن الأجيال المقبلة، وتلك التي لم تولد بعد، كانت حاضرة وسعيدة، وتصفق معنا ابتهاجاً بهذا المشروع، لأنهم من خلاله سيعيشون، وسيشعرون بكل شيء، وبهذا المشروع ستضاء مدينتهم، وسيحصلون على الطاقة الكهربائية، ولن يلعنوا الظلام أبداً!
ليس مهماً كم ندفع اليوم لإنشاء مشروعات مستقبلية من هذا النوع، فالاستثمار هنا مجدٍ، بل إن خبراء الطاقة ينصحون دوماً بأن تستثمر دول الخليج جزءاً من عائداتها في الطاقة المتجددة، فهي الحياة وهي المستقبل، ودول الخليج هي الأكثر تأهيلاً للاستمتاع بالطاقة الشمسية الجديدة.
بدأت بميونيخ، وأعود إليها، فعلى هامش المؤتمر قمنا بزيارة إلى متحف « بي إم دبليو »، الذي يقبع بالقرب من مبنى الشركة، وفي ركن المستقبل كان هناك ركن للطاقة الشمسية، وضعت عليه خريطة كبيرة للعالم ولُوّنت الدول حسب أهميتها الشمسية، وكانت دول الخليج الأهم ضمن الحزام الشمسي، وما رسخ في ذاكرتي تلك الكلمات المكتوبة تحت هذه اللوحة، وقد تذكرتها وأنا أشاهد محمد بن راشد يضغط زر تدشين المشروع.. تقول الكلمات ما معناه أن « بلاد النفط.. هي بلاد الشمس ».
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه