كل يوم
توحيد العقود
«العقد شريعة المتعاقدين»، مبدأ شرعي وقانوني، ولا خلاف عليه، لكن ليس في عالم البنوك والمصارف، فالعقد هنا شريعتها، وهو عقد من طرف واحد، هو الطرف القوي والمهيمن، والطرف الآخر ضعيف مجبور ومضطر إلى أن يرضخ، أو على الأدق يُذعن، للشروط كافة، وهو العميل.
لا يمكن أبداً اعتبار العقود الحالية التي تبرمها البنوك مع العملاء في المعاملات البنكية المختلفة، سواء كانت قروضاً شخصية أو بطاقات ائتمانية اتفاقيات حقيقية تمت بالتراضي بين شخصين، ويمكن على ضوئها الاعتداد ببنودها أمام القضاء في حالات الاختلاف، لأنها ببساطة عقود من طرف واحد، مفروضة على العميل الذي لا يستطيع قراءتها بالكامل خلال فترة بسيطة، ولا يستطيع مراجعتها والتعديل عليها، أو إلغاء وإضافة أي بند إلى بنودها.. هي بكل بساطة عقود إذعان، ولأنها كذلك، فهذا يؤكد أن لا مرجعية قانونية أو تنظيمية تحمي حقوق الطرفين عند الموافقة على صياغة العقد، وقبل أن يكون شريعة للمتعاقدين، فالعقد باتجاه واحد، ولخدمة طرف واحد.
عقود البنوك مدروسة بعناية، ومكتوبة بحرفية، ومن قبل محامين متمرسين، لكن الحرفية هنا ليست في مصلحة العملاء أبداً، بل هي جميعها في مصلحة البنك، ولمصلحة دحض أي منفذ يمكن من خلاله للعميل اللجوء إلى القضاء للمطالبة بحقه، إنها تثبت، بما لا يدع مجالاً للشك، أن معظم البنوك والمصارف، ولا فرق هنا بين تقليدية وإسلامية، تبيت النيّة للتمويه والتلاعب بالكلمات والجمل المرنة في بنود العقود، لإقفال أي مجال للشكوى من قبل العميل.
ولماذا يقبل العميل بهذه الشروط؟ ولماذا يقبل التوقيع على بنود مجحفة بالنسبة إليه؟ ولماذا يضع رقبته برضاه في مقصلة البنوك؟ أسئلة مشروعة تواجهها أسئلة أخرى فيها الإجابة، فما البديل الذي يمكن أن يلجأ إليه الناس؟ ولماذا لا توجد جهة رقابية هي التي تتولى مراجعة العقود التي تفرضها المصارف على الناس؟
العميل يبقى فرداً بسيطاً، بينما البنك مؤسسة ضخمة مملوءة بالموظفين والقانونيين يدعمهم محامون ومستشارون قانونيون، فهل المعادلة هنا عادلة؟ وهل هناك توازن بين الطرفين؟ وهل المعركة بينهما متكافئة في حالة نشوب الخلاف؟!
لابد من جهة تحمي الناس، وهذه الجهة هي المصرف المركزي، وفي الآونة الأخيرة وجدنا تدخلاً قوياً من المصرف وبشكل إيجابي ملموس، لكبح جماح الانقضاض المفاجئ للبنوك والمصارف على أموال الناس، فأصدر قرارات مهمة في توحيد الرسوم وتحديدها، ونجح في ذلك، هذا النجاح يجعلنا نطمع وبشدة في أن يتدخل المصرف مرة ثانية وثالثة ورابعة، في ضبط عقود الإقراض، وبطاقات الائتمان، وفي معاملات ورسوم المصارف التي تدعي أنها إسلامية، وفي السيطرة والرقابة على اللجان الشرعية التابعة للمصارف، أو بالأحرى على الموظفين بدرجة «مفتي» لدى هذه المصارف، يُحلون لها سلب وأخذ أموال الناس بالباطل ومن دون وجه حق.
ميدان البنوك بحاجة إلى تنظيم مستمر، وتدخل المصرف في توحيد العقود، كما نجح في توحيد الرسوم، سيكون له أكبر الأثر في الانتصار للناس، وإبعادهم عن تحايل وكمائن المصارف المدعومة بمحامين ومستشارين متمكنين، يسهمون في عصر العميل حتى آخر فلس في رصيده!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .