هكذا هو الديكتاتور
هكذا هو الديكتاتور في لحظة خسارته لمقعده الرئاسي، وعلى الأغلب جميعهم على هذا النحو، يظهر على شاشة الفضائية الرسمية بوجهه المحلوق جيداً، وبملامحه الأرنبية المهادنة، وبتلك الابتسامة التي تجعلك ترى وجهه كأنه ممزق، حيث الملامح التي لم تتدرب على مثل هذه الابتسامة من قبل.
هكذا هم الزعماء الذين تطير المقاعد من تحتهم في لحظة تاريخية، يتحولون إلى حملان وديعة، لا تقوى على إيذاء حشرة، بينما تاريخهم دموي، وأرتال الشهداء الذين استطاعوا خلعه من مقعده الرئاسي اللزج مازال دمهم طازجاً في الساحات والأزقة والحارات.
ومع ذلك لا يفهم الديكتاتور المعادلة الدموية التي خلعته، بل يؤثر أن يفهم ذلك على اعتبار أن هناك قوى دولية تكالبت عليه وتناست في لحظة غباء تاريخي الخدمات المجانية التي قدمها في سبيل استمرار وديمومة جلوسه على ذاك المقعد الرئاسي.
ولهذا وقبل أن يلقي خطابه المتسامح والوداعي يعمل على ترك قنابل موقوتة قابلة للانفجار حال إقلاع طائرته، وقد تتمظهر هذه القنابل في احتمال قيام الفتنة القبائلية، أو الفتنة الطائفية، أو حتى العرقية، وعلى الأغلب سيحاول الاتصال بقيادات هائمة لتنظيمات إرهابية عالمية، ويفسح لها المجال الجغرافي كي تحرق الأخضر واليابس.
وهو إذن يعمل على تخليق كل هذه المتناقضات التي لم يلتفت إليها أو يحاول حلها طوال مدة حكمه التي استمرت ثلاثة عقود أو أكثر، فإنه تعامى عن هذا الحل كي يوقع شعبه وكل القوى التي نصحته بالتنحي في مساحة الحسرة والندم.
هكذا هو الديكتاتور في لحظة خسارته التاريخية لمقعده الرئاسي، يظهر بملامح تطفح بالأبوة والحنو على شعبه الذي دفع الكثير من الدم في سبيل هذا المشهد. يفعل هذا بعد أن يضمن سلامته وحصانته، إضافة الى سلامة وحصانة البطانة، كما يضمن أن الطائرة التي ستقله الى مكانه الاختياري جاثمة على أرض مطار العاصمة.
هكذا هو الديكتاتور يتعامل مع دماء شعبه على اعتبار أنها مياه معدنية، ولهذا تراه يفرد ملامحه الحانية بتعمد عجيب وهو يطلب الصفح عن كل ما ارتكبه من مذابح برصاص حرسه الجمهوري وشبيحته.
هكذا هو الديكتاتور يخرج من بوابة قصره الذي لن يراه ثانياً، ويدخل سيارته الفخيمة تتبعه الدراجات النارية وأصوات الأبواق التي تطلقها سيارات موكبه، وحينما يدخل صالة المغادرين، ويصعد درج طائرته، ويلتفت الى البلاد التي دمرها، يُحس بغصة تاريخية لا يفهمها أحد في العالم إلا هو!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .