أبواب
ثقافة العنف الجديدة في مصر
في البحث عن أسباب العنف الذي أخذ يتفشى في المجتمع المصري أخيراً، ينبغي لنا أن نؤكد أنه لا يوجد شعب عنيف وآخر مسالم، أعني أن الجينات البشرية لا تختلف من شعب إلى آخر، لكن توجد ثقافة عنف، وثقافة متسامحة، ولكل من الثقافتين أسباب تجعل كلاً منهما تزدهر وتنتشر لتصبح في مرحلة ما سمة تبدو سائدة ونقيضها متنحية حسب قانون «مندل» في الوراثة.
وعلى الرغم من العنف الذي قد يصاحب بعض الثورات، إلا أن الثورة لا تهدف في جوهرها إلى تحويل مجتمع مسالم إلى عنفيّ، مقدار سعيها إلى هدم بنية فاسدة وإحلال بنية نظيفة مكانها. وعليه، فلا يمكن اتهام الثورة المصرية بأنها هي السبب الذي أدى إلى انتشار ثقافة العنف في المحروسة أخيراً. وإذا كان ثمة من يتهم الثورة بذلك، فهم الخاسرون من قيام الثورة الشعبية، والمتضررون من هدم البنية الفاسدة وبناء بنية نقية.
إن مباراة في كرة القدم لا تشهد في الوضع الطبيعي مقتل أكثر من 70 شخصاً، أياً كان الشغب الذي يمكن أن يحدث في المباراة، وأياً كانت حساسية المبارة بين الفريقين وجمهوريهما، لكن ثقافة العنف المتصاعدة في مصر هي التي تحول مبارة رياضية إلى مجزرة، وهو ما لم يحدث في التاريخ المعاصر إلا في الثمانينات من القرن الماضي، حين قتل قرابة الـ40 في مبارة بين يوفنتوس الإيطالي وليفربول الإنجليزي. وإذا تذكرنا تلك الأيام جيدا، فإن علينا ألا ننسى ثقافة العنف التي كانت سائدة، وفي تصاعد مستمر في أوروبا كلها عموماً، وفي إيطاليا خصوصاً، حيث عمليات الجيش الأحمر اليومية، التي توجت أخيراً باختطاف رئيس الوزراء ألدو مورو، وقتله، من دون أن نخوض في التفاصيل السياسية المروعة.
وما يحدث في مصر الآن ليس بعيداً عن تلك المناخات، فثقافة الثورة تتسم عادة بالتسامح، ويتجلى ذلك عند المنتصرين لا عند المهزومين، أي أن الشعب المصري الذي خرج فائزاً في الجولة الأولى من ثورته، هو بالضرورة من يتسلح بثقافة التسامح والأمن، خصوصاً بعد أن قدم التضحيات الكبيرة في مشواره الذي لم ينته بعد. أما من يؤجج ثقافة العنف، ويحاول نشرها فهم الخاسرون بالضرورة، ليسوّقوا فكرة بائسة مفادها أن كل ما يجري هو نتاج الثورة، آملين في انتشار ثقافة الثورة المضادة، أو الانقلاب على منجزات الثورة الأولية.
يقول أمارتيا صن في كتابه «الهوية والعنف»: «إن التحريض على العنف يحدث بفرض هويات منفردة انعزالية وعدوانية، يناصرها ويؤيدها محترفون بارعون للإرهاب، على أناس بسطاء وساذجين».
ولعل من يراجع ما كانت ذيول إعلام النظام السابق تبثه من تحريض ونفخ في طرفي مباراة بور سعيد قبل أيام من موعدها، يدرك جيداً أن هنالك من هو جاهز في مصر لاستغلال أي حادثة أو تجمع، لإشاعة العنف وثقافة العدوان. فقد جعلوا من مباراة الأهلي والمصري مباراة العصر المصيرية، ونفخوا في رماد الماضي مستذكرين الاحتقانات السابقة بين الفريقين، الأمر الذي حول المباراة إلى مذبحة. وما على المصريين أن يدركوه الآن جيداً هو أن الثورة لم تنجز تماماً بعد، وأن هنالك محترفين في تشكيل ثقافة العنف والخوف، يتربصون في كل زاوية لإفشال الثورة، فالحذر الحذر يا شعب مصر.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .