لئلا تفقد الجوائز بريقها!
لا ننكر أهمية الجوائز التي أطلقتها الحكومات المحلية لتطوير العمل الحكومي، وإيصاله إلى مستوى راقٍ جداً في تقديم الخدمات، والعناية بالمتعاملين، بل يعود إليها الفضل في تطوير العمل الجماعي من خلال المنافسة والإبداع الذي سلكت طريقه المؤسسات من أجل نيل الجوائز والتميز أمام الملأ في حفل بهيج.
كذلك، لا ننكر لجوء بعض الدوائر إلى فتح الميزانيات والصرف بشدة على شركات الاستشارات وبيوت الخبرة في مجال الجودة والتميز، وبشكل مبالغ فيه أحياناً، للوصول إلى المعايير التي تدغدغ مشاعر المحكمين الذين يتحدثون لغة التميز ذاتها التي تتقنها هذه الشركات، لكن يبقى ذلك أمراً مشروعاً، شريطة أن يكون الهدف تطوير العمل من أجل الجائزة، لا الحصول عليها هدفاً في حد ذاته ولذاته فقط.
وأشير هنا إلى الدور السلبي الذي يمكن أن تقوم به الجائزة في إحباط الموظفين، وتحطيم معنويات المؤسسات، لو انحرفت من خلال منظميها عن الحيادية والصدقية والنزاهة، وإعطاء كل ذي حق حقه من خلال عمله وإنجازه المقدم، لا من خلال سمعته ووزنه وأشياء أخرى، فالجائزة سيف ذو حدين، يمكن أن يقتل الإبداع إذا ما صادف الاختيار غير أهله، ويمكن أن تكون خير محفز ومشجع، إن كانت النتائج نزيهة وصادقة وفق معايير دقيقة وواضحة، ومعلنة، لا تشوبها أية معايير أخرى مصلحية أو شخصية.
ولكي نصل إلى أعلى درجات النزاهة لابد من اتخاذ خطوات عديدة، أهمها أن تكون مسألة تنظيم الجائزة، ووضع معاييرها واختيار المحكمين، مسألة مؤسسية، لا تعتمد على شخص واحد، فتضخيم دور فرد هنا ينعكس سلباً على نزاهة الجائزة، كما يجعل ذلك الشخص، أياً كان، متحكماً، وتالياً يصبح هدفاً سهلاً للاستمالة، ومصدراً محتملاً للابتزاز، في آن واحد!
ولا ننسى أيضاً ابتعاد أي مسؤول أو صاحب سلطة تنظيمية في جائزة حكومية، عن الدخول في أعمال خاصة مرتبطة بشكل أو بآخر بموضوع الجائزة، حتى إن لم يثبت تعاون المشاركين في الجائزة مع مكتبه الخاص، لأن أخلاقيات العمل وآدابه قبل القوانين تمنعان ذلك، فلا يجوز أبداً أن يعمل مسؤول في جائزة تُعنى بالتميز والجودة وأداء الموظفين، في مكتب خاص له يُعنى بالتميز وتدريب الموظفين وتأهيلهم والجودة والموارد البشرية!
لا يجوز ذلك إطلاقاً، ومثل هذا التصرف وغيره يطعن في الجائزة، ذهنياً على أقل تقدير، إن لم يكن أكثر من ذلك، فمنظمو الجوائز ومحكموها هم أشبه بسلطة قضائية مستقلة، ومثلما لا يستطيع القاضي التجول في مراكز تجارية احتراماً للمهنة، لا يجوز أيضاً لمنظم جائزة أن يتجول بشكل دائم في مكاتب المؤسسات المشاركة، كما لا يجوز أيضاً أن يسعى إلى توظيف ابنه أو أي من أفراد أسرته في مؤسسة تنافس على الجائزة التي يديرها، ففي كلتا الحالتين سيكون هناك مظلوم، فإن فازت المؤسسة وهي لا تستحق بسبب التعيين، فقد ظُلم آخرون، وإن لم تفز وهي تستحق الفوز من أجل إبعاد الشبهات، فقد ظلمت!
النزاهة والابتعاد عن الشبهات مطلبان حيويان وضروريان من أجل تحقيق هذه الجوائز الهدف الأسمى من وجودها.. نقول ذلك لئلا تفقد الجوائز بريقها!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .