كل يوم
حتى ينصلح حال البحر!
قد يفاجأ كثيرون بحجم مبيعات الأسماك في الدولة، التي قدرت بنحو مليار درهم سنوياً، ما يؤكد صحة التسمية السابقة لوزارة الزراعة والثروة السمكية، فالأسماك هي فعلاً ثروة حقيقية تترجم بمليار درهم سنوياً، وربما أكثر.
ومع ذلك فالقطاع السمكي مهمل، وهذه الثروة تذهب في معظمها حلالاً زلالاً إلى مجموعات آسيوية تسيطر بشكل فعلي كامل على هذه التجارة، ابتداء من وصول مراكب الصيادين إلى الشواطئ، وحتى تقطيع السمك في الأماكن المخصصة له في السوق، والسيطرة على المزادات في كل الإمارات، إذ يشترون كميات السمك كلها بأسعار زهيدة للغاية، ويبيعونها في كل أسواق الإمارات بالسعر الذي يحددونه، أما نصيب المواطنين من رحلات الصيد المرهقة، ونصيب الحكومات المحلية من وراء بناء وتطوير وصيانة أسواق السمك، فلا يتجاوز، في أفضل الأحوال، 10٪ من إجمالي هذا المليار درهم!
أوضاع البحر، والحياة البحرية، والثروة السمكية في الدولة، أصعب مما يتخيل الجميع، ويبدو أننا نحتاج إلى خبراء من الأمم المتحدة لدراسة الأوضاع وإيجاد الحلول، فالقضية متشابكة ومعقدة، والمصلحة الوطنية العامة هي ضحية هذا التعقيد والاشتباك، فالأسماك تتوزع مسؤولياتها على أربع وزارات وسبع بلديات، وجمعيات صيادين في كل الإمارات، ومع ذلك فإن المستفيد الحقيقي والمتحكم الفعلي في كل تفاصيلها مجموعتان آسيويتان، استغلتا انشغال الجهات بالتنازع على الصلاحيات، وغياب الرقابة على القوانين، وركزتا جهودهما بصمت لاستغلال ما يمكن استغلاله من هذه الثروة، ولاتزالان تفعلان!
وزارة البيئة تضع قوانين اتحادية، لا تلقى صدى لدى السلطات المحلية، فالأسماك تعدّ ـ كما تفسرها السلطات المحلية ـ مورداً طبيعياً للإمارة، والدستور منح كل إمارة في الاتحاد حرية التصرف في الموارد الطبيعية وفقاً للقوانين المحلية، وهنا إشكالية قانونية تحتاج إلى توضيح وتدخّل، فهل الأسماك هي ملك للإمارات المحلية؟ وهل هناك سمك دبي وسمك عجمان ورأس الخيمة مثلاً؟ وهل يمكن تطبيق مادة الموارد الطبيعية في الدستور على الأسماك؟!
ومع ذلك لا مانع إطلاقاً من أن تعمل السلطات المحلية على تنظيم هذا القطاع في كل إمارة، لكن الواقع يقول عكس ذلك، فهناك جهات محلية لا تملك إمكانات الرقابة والتنظيم والمتابعة، كما أنها لا تلتزم بتطبيق قوانين وتشريعات الجهات الاتحادية، فكيف يمكن التصرف حيال ذلك؟!
خلل قانوني كبير، نتائجه ضياع ثروة، وفوضى في قطاع مهم، وتدمير لحياة بحرية هي ملك للأجيال المقبلة، والمنطق والضرورة يحتمان الإسراع في استصدار قوانين وتشريعات اتحادية، أو حتى تعديلات دستورية، تعطي السلطات الاتحادية الحق في فرض رقابة على السلطات المحلية، من أجل إجبارها على الالتزام بالقوانين الاتحادية، فهي في مصلحة الجميع، ومادامت الجهات المحلية عاجزة عن التنظيم والتشريع، فعليها الالتزام بالتشريعات الاتحادية، ويجب على القانون الجديد إعطاء صلاحية واضحة للوزارات الاتحادية، لاتخاذ ما يلزم تجاه إلزام الجهات المحلية بتنفيذ القوانين الاتحادية ومتابعتها.
هذه هي الخطوة الأولى والمهمة، التي يمكن أن تفتح الباب لإعادة سيطرة الدولة على مواردها البحرية، ومن دون هذه الخطوة لن ينصلح حال البحر أبداً، وسيأتي اليوم الذي يصبح فيه سعر الكيلوغرام من «الشعري» لا يقل عن سعر «الذبيحة»، وسنضطر إلى أكل السمك كل ستة أشهر مرة!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .