5 دقائق
(بص فوق..!)
الأمر لا علاقة له بأن هناك الكثير من «الرجل غير المناسب» في المكان المناسب، لكنها حقائق موجودة في حياة كل منا، فصاحب أجمل صوت سمعته في حياتك وهو يغني هو غالباً عريف شرطة في مركز ما، وأفضل طباخ تذوقت طعامه في حياتك سيكون زميل سكن عشت معه في مدينة باردة فترة من حياتك، والطبيب النفسي الذي لم تر نداً له في أي مكان ولا في أي فضائية هو أحد «شيبان» القبيلة الذي لا يغادر عزبته إلا لمماً، وأقوى محلل سياسي سمعت له هو أحد لعيبة «الطاولة» في المقهى المجاور، وأفضل من يخرج الجن هو فرقة أعراس شعبية عند الحبوس، وخير من «يطقق صبوع قدميك» هو دكتور مهندس تربطك به علاقة صداقة، وأفضل من يصنع رأس شيشة هو كاتب عمود في إحدى الصحف المحلية مثلاً.
كثيرون كُتب لهم أن يعملوا أو يكونوا في غير الأماكن التي يتقنون صنعتها، وبالطبع فالأمر له عوامل عدة، منها عامل «القضاء القدر» الرئيس، والرغبة، وشجاعة اتخاذ القرار، وهناك أيضاً أحد أهم تلك العوامل، وهي الترقيات التي تقتل من حيث تريد أن تصلح، فالنظام الإداري لدينا تكون ترقياته عمودية دائماً، ما يقفز بالموهوبين إلى غير مجالات موهبتهم. على سبيل المثال تخيّل أن هناك مدرساً موهوباً في مدرسة ما، لديه موهبة من الله وقدرة على التواصل مع التلاميذ، وشرح الدرس والفكرة، وبسبب هذا التميز والتألق حصل على أوسمة وشهادات عدة وغيرها، من الطبيعي «لدينا» أن تراه قد ترقى بعد فترة ليصبح مديراً للمدرسة، وهنا تتوقف الموهبة، لأنه مدرس وليس إدارياً، فتتخبط مدرسته، وتشتبك الأمور اجتماعياً ومهنياً، فلا هو يستطيع أن «ينزل إلى وظيفته السابقة» ولا غيره يصبح مرتاحاً لوجوده في مكان لا يفقه فيه شيئاً!
لذلك نجد دائماً أن الطبيب الموهوب أصبح مديراً لمستشفى، واللاعب الموهوب أصبح إدارياً في النادي، ومحللة الفطريات الموهوبة أصبحت مديرة بيئية، وكل منهم يفشل في مكانه الجديد، لأنه ليس ضمن نطاق موهبته، لذا تجد في كثير من الدوائر أن الإدارة العليا من الكفاءات الكبيرة، بينما الوظائف العادية لا تحوي المتقنين لها، ما يحدو الدوائر عندها للتعهيد الخارجي وغيره من الحلول، والسبب الذي نقحم أنفسنا فيه دوماً هو أن زيادة الراتب للموهوبين يجب أن تكون معتمدة في «الهيكل»، أي تكون هناك ترقية ومسمى جديد.
الحل الأجدى والأكثر نفعاً للحفاظ على كل موهوب في مكانه هو الترقيات الأفقية، فما المانع أن يبقى كل موهوب في مكانه الذي يتقن عمله فيه، لكن يبقى راتبه يتضخم ويتمدد ويزيد بمستوى إبداعه وعطائه، من دون التفريط فيه أو رفعه إلى درجات إدارية لا يفقه ولا يريد أن يفهم فيها؟ فالهياكل الوظيفيه ليست كلاماً منزلاً أو بقايا صحف مقدسة لكي نتمسك بها بهذه القوة والحذافير والبيروقراطية المملة، والدليل أن اسمها «هياكل» وأنتم تعرفون جيداً أين ترقد الهياكل!
Twitter:@shwaikh_UAE
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .