ربيع النُخب أولاً
خسرنا العراق، وقبله كان لبنان، وتشير الأوضاع في سورية إلى حالة من التشرذم والتبعثر التي تقود إلى المجهول، هل نبكي على أيام ما قبل «الربيع العربي»، ونسلم مع الباكين على الدكتاتوريات التي حافظت على الهدوء، وإن كان بقطع الألسن وزرع الخوف؟
بمنطق جلد الذات الذي أصبح مزاجاً عربياً بامتياز يمكن أن نقبل بافتراض كهذا ونصطف خلف النادبين حظهم والمنتحبين في مآتم اللطم، لكن بمنطق الحقيقة، فإنه لا شيء اليوم أسوأ مما كان، فلا يمكن لصناع الخوف أن يصنعوا المستقبل، لكن المشكلة تعود لتتكرر في النخب العربية التي تصنف نفسها قوى وطنية أو شرائح مثقفة أو دعاة إصلاح، هذه النخب لم تستطع طوال عقود الحكم الدكتاتوري أن تؤثر في الشارع، وأن تلتحم مع همومه وشجونه وتتعرف إلى خوالج نفوس أفراده ومزاج عمومه، وهي تأتي اليوم لتجد نفسها مدفوعة في مقدمة حراك شعبي تلقائي أفقده ضغط الخوف الرهيب الشعور بألم العذاب، ودفعه الشعور بالإجبار إلى تحسس ريح الحرية، ولو كان برائحة الدم.
هذه النخب تقود اليوم عمليات المطالبة بالتغيير من دون أن تلتفت إلى نفسها، إلى داخلها، إلى تركيباتها الفكرية والنفسية لتعمل على مجاراة التغيير بتغيير حالها، فهي تريد أن تتماها مع حركة المجتمعات التي تدعي تمثيلها، لكن يغلبها طابع الانعزال الذي تعيشت عليه خلال عصر الاستبداد، وتسيرها ثقافة «الأنا» والتحزب والعصبية، التي تتنافس في تركيبتها كل العصبيات الفئوية والقبلية والطائفية والعرقية، وتستمر القائمة إلى الشللية والصحبة غير الصالحة ورفاق لعب الطاولة على مقاهي الأرصفة، هذه النخب هي العثرة التي تزيد من آلام المخاض العربي إلى الدرجة التي أصبح فيها الربيع يزهر شوكاً.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .