كل يوم
«تعالوا اسجنوني»!
حقيقة لا أعرف ما الفائدة التي جناها ذلك البارع الذكي الذي ابتدع «برودكاست» على جهاز «بلاك بيري» كتب فيه «رابط الأغنية الشهيرة (تعالوا اسجنوني)، لا يفوتكم المقطع»، ووضع أسفل هذه الجملة رابطاً بمجرد أن يفتحه متلقي الرسالة يرن هاتف الطوارئ في شرطة دبي(999)!
عندما وصفته بالبارع الذكي، لم أقصد سوى هاتين الكلمتين، لأنه فعلاً استخدم عقله بشكل غير مسبوق، لكنه ضار وغير مفيد، وليته استفاد من نعمة العقل والإبداع في شيء يخدم به مجتمعه ووطنه، وأعتقد أنه كان يستطيع ذلك، لكنه للأسف لم يفعل.
وحقيقة أريد فقط، كما يريد كثيرون غيري، معرفة الفائدة التي جناها، ما الذي استفاده من إحراج الناس الذين تلقوا الرسالة، واضطروا إلى أن يغلقوا الخط، وتالياً كان لزاماً على رجال الشرطة أن يعيدوا الاتصال لمعرفة سببه؟ وما المتعة في إزعاج رجال الأمن في قصة تافهة من هذا النوع؟ وهو بالتأكيد يدرك حجم الضغط الذي تسبب فيه من خلال طرفة غير لائقة، على موقع مهم وحساس، لا مجال للعاملين فيه لتجاهل المتصلين، بغض النظر عن سبب الاتصال!
مثل هذا الشخص يستحق وبشدة تحويله إلى القضاء لأخذ عقوبة إزعاج السلطات، لأنه أقدم على عمل ضار، وتسبب في إرباك العمل في جهة حيوية، يستحق العقوبة حتى لا يكون هذا العالم الافتراضي مصدراً للقلق والإزعاج والاستهتار، بدلاً من أن يكون رافداً مهماً من روافد التطور والانفتاح الجيد.
التداخل بين العالمين الافتراضي والواقعي أصبح يشكل هاجساً غير مريح، مضاره بدأنا نلمسها بشدة في تفاصيل حياتنا اليومية، فمواقع التواصل الاجتماعي المفتوحة على مصراعيها، لم تعد مهمتها التواصل الاجتماعي فقط، بل إن من الواضح أنه يستحيل حصرها في هذا الجانب، وتالياً فمضارها بدأت تتضح وتسبب هاجساً جديداً، فقد استطاعت خلق أجواء سلبية لم نكن نلحظها يوماً، ولم نكن بحاجة إليها اليوم، ولا أعتقد أبداً أن استمرارها مفيد لأي مواطن أو جهة، وإن تفاقمت هذه الظاهرة فالخاسر الأكبر هو الوطن!
هي ضريبة التطور، ندرك ذلك، وهي مجال لا تمكن السيطرة عليه، وهي مفيدة جداً في جوانبها الإيجابية، لا خلاف على ذلك، لكن في مجتمع صغير مثل مجتمعنا، لم يصل كثيرون فيه بعد إلى مستوى التمييز بين حرية الرأي والتعبير، والقذف والسب والتطاول والشتيمة، فإن هذه الوسيلة أصبحت مثل مسدس في يد طفل، لا يدرك مدى خطورته، ولا يعرف كيفية استخدامه، وتالياً فإن أول طلقة ستكون في قلب أقرب شخص منه!
مشكلة يجب البدء فوراً في وضع حلول لها، وهي مشكلة غير تقليدية، وبالتالي يجب أن تكون الحلول أيضاً كذلك، والمسألة لا تخلو من الصعوبة، فهذا الإناء الكبير يجمع جميع المتضادات والمتناقضات، ويجمع الصغير والكبير، والمثقف وغير المثقف، المحب والمخلص، والحاقد والكاره، ولا يمكن وضع تصنيف أبداً، كما أن الاعتماد على التربية الذاتية لكل شخص أمر أصعب، وإلا لما ظهر لنا برودكاست «تعالوا اسجنوني» وأشياء أخرى كثيرة، فكل إناء بما فيه ينضح!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .