مزاح.. ورماح
«سبونج بوب»
حتى لو تأخرت عن موعد عودتي إلى البيت ساعة أو ساعتين، كنت أجدهم دائمي الوقوف خلف زجاج «البلكونة» ينتظرون طلتي البهية، يطلقون ابتسامات عريضة ويلوحون لي بأيديهم، كما يفعل المستقبلون في صالات المطار، بالمقابل كنت أرد لهم هذه التحية، وهذا الانتظار المجدول بالشوق «بزامور» قصير، وتلويحة بطيئة، كما يفعل الزعماء العرب عندما يلتقون مع الفعاليات الشعبية، بعدها كنت أصعد إلى شقتي بمنتهى الرزانة، ليتم استقبالي بحفاوة وتكريم فريدين، من تقبيل لليد وحملٍ للأغراض وتعليق «للجاكيت».
الأمر تغير بعد إقلاع طائرة «بن علي»، وتجهيز «سرير مبارك»، فصرت أعود من عملي في الموعد نفسه تقريباً، أرفع رأسي إلى «البلكونة»، فلا أجد أحداً ينتظرني سوى بعض «السراويل» المقلوبة، والقمصان المعلقة من أكمامها على حبل الغسيل الممتد من العمود إلى العمود، أفتح باب الشقة «أتنحنح» و«أسعل» أكثر من مرة في محاولة لتنبيههم إلى حضوري، وبالكاد يخرج الأولاد من غرفهم بتثاقل وتكاسل يسلمون عليّ «ع الناشف»، ثم يأخذون ما يخصّهم من «الشيبس والشوكولاتة»، ويتركون بقية الأغراض في مكانها، عائدين إلى مواقعهم ببرود وفتور شديدين.
بصراحة، لم أستطع أن أخفي امتعاضي من تصرف «العيال» طويلاً، فحاولت أكثر من مرة أن أفرض هيبتي عليهم، محاولاً التلويح «بخفض المنح»، أو «تقليل المصروف اليومي»، أو فرض حالة «الطوارئ» في البيت، لكنهم لم يكترثوا لهذه العقوبات الاقتصادية على الإطلاق.
المشكلة أنه بعد تصفية الراحل القذافي، وتوقيع علي عبدالله صالح على المبادرة الخليجية، بدأ منحنى العلاقة بيني وبين الأولاد يتجه بانحدار شديد، فقد صرت أتعمّد العودة إلى البيت باكراً غاضاً الطرف عن «البلكونة» الفارغة، متعمّداً الإكثار من الهدايا النوعية، ومحاولة «تخفيف» دمي بمفاجأتهم بكلمة «بعععع»، أو «أنا جيييييييييت»، إلا أن أحداً لم يعد يخرج لاستقبالي عند سماع قفل الباب، ولم يكترث أي منهم لسعالي ولا «موائي» حتى، ما اضطرني إلى أن أدخل على «مجلسهم» أجثو على ركبتيّ -عن طيب خاطر- وهم مضطجعون، أقبلهم وأضع «الشيبس والشوكولاتة والألعاب» قربهم، وفوق صدورهم وأغادر بسلام، وللأمانة قد ارتفعت معنوياتي قبل أسابيع، عندما ضبطت أحدهم مبتسماً فور وصولي إلى مجلسهم، ثم ما لبثت أن اكتشفت أن تلك الابتسامة كانت للمدعو «بات مان»!
هذه الأيام يدي على قلبي، فأنا أتوقع في أي لحظة أن ينقلوا التلفزيون إلى غرفة أخرى، مكونين «مجلساً انتقالياً» جديداً هناك، ولا أستبعد على الإطلاق أن يتم انتخاب السيد «سبونج بوب» رئيساً مؤقتاً للأسرة.
الله يستر.