أبواب

الكتابة المؤجّلة

يوسف ضمرة

لم نقرأ حتى اليوم أدبا على درجة عالية من الأهمية، لهذا الحراك العربي المتعدد الوجوه والأشكال والمسارات، ولعل هنالك من يأتي ليخبرنا بأن علينا الانتظار لاختمار التجربة، أو ربما اكتمالها، وإن حدث مثل هذا الكلام، فإنه يعني أننا سننتظر طويلا جدا، وربما من دون جدوى.

إن الكتابة الأدبية قادرة على الحفر في الراهن والمستقبل، قدرتها على قراءة الماضي تماما، ولعل رواية مثل «1984» للكاتب الشهير جورج أورويل، أو «مالك الحزين» للعربي المصري إبراهيم أصلان، أو العديد من كتابات نجيب محفوظ، تشكل دليلا على ما نقول، بل يمكن اعتبار كتابات شخص مثل نوسترا داموس نظرة ثاقبة إلى المستقبل، من خلال قراءة الماضي وحركة التاريخ والإنسان، من دون النظر إلى موضوع النبوءة التي يضفيها كثيرون على هذه الكتابات، فلماذا يتأخر العرب دائما؟

تشير رواية مثل «صائد اليرقات» للكاتب العربي السوداني أمير تاج السر، إلى كيفية تشكل الرواية، وذلك في اختصار وتكثيف بليغين، إذ يخلص الطامح إلى كتابة الرواية إلى أن كل شخصية في الحياة، وكل حكاية أو واقعة، يمكنها أن تتحول من يرقة إلى شرنقة ثم حشرة مكتملة النمو، وتكمن الأهمية هنا في الحفاظ على اليرقة من الموت، وذلك بتوظيف المخيال الأدبي، الذي لن يرضى بالوقوف عند حدود الواقع الموضوعي، سواء كان ذلك في الشخوص أو الحكايات والوقائع.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يعجز فيها الكاتب العربي عن مواكبة الوقائع والأحداث العربية الكبرى، حتى إن فعل ذلك أحيانا، فقد كان معظم المواكبات سطحياً وساذجاً إلى حد كبير، ويبدو أن السبب يكمن في انغماس الكاتب العربي في التفاصيل اليومية الموضوعية، التي لا يستطيع التخلص من سحرها وجاذبيتها وقوتها التأثيرية على تفكيره، الأمر الذي يشكل حاجزا أمام انطلاق المخيال الأدبي اللازم لكتابة موازية للواقع الموضوعي، أو منبثقة عنها.

فالانتفاضة الفلسطينية الأولى، التي شكلت حدثا عالميا غير مسبوق، وتمكنت من فرض لفظها العربي في وسائل الإعلام العالمية، على اختلاف لغاتها، لم تترجم أدبيا بشكل يليق بها وبعظمتها وبقدرتها على إحداث تغيير نوعي في الوعي العربي، بل والأممي أيضا، لقد ظللنا أسرى صرخة الحجر وقوة الصورة، من دون أن نتمكن من الحفر عميقا في الصورة الخارجية، للبحث في الجوهر، ومساءلة التحولات التاريخية العظيمة التي حدثت وتحدث، وستظل تحدث دائما على الأرض طالما ظل الإنسان قائما عليها.

ثمة كتابات تواكب الحركات العربية، لكنها كتابات أقل تأثيرا وقوة من الفعل، ومهمة الأدب تكمن في تحويل الفعل إلى شكل من أشكال المعرفة في قوالب جمالية، ولا تكمن في كتابة سيرة الحدث والحكاية والشخوص، على الرغم من أن كتابة السيرة فن عظيم لو تم إتقانه بحق، فهل تعجز شخصية مثل البوعزيزي مثلا عن أن تكون يرقة قابلة للتجسيد أدبيا ؟ قد تكتب عن البوعزيزي مئات المقالات، وقد تنحى كلها منحى واحدا يتعين في الإشادة والتكريم والتعظيم، لكن رواية يلعب فيها المخيال دورا أساسيا عن هذه الشخصية، قادرة على أن تقدم لنا نموذجا متمردا في قالب جمالي، فهل من مجيب؟

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر