5 دقائق

حسن إسلام المرء

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

روى أصحاب السنن من حديث علي بن حسين بن علي بن أبي طالب ومن حديث أبي هريرة، رضي الله تعالى عنهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»، وهو من الأحاديث الأربعة التي يدور عليها الدين، كما قال بعضهم:

عمدة الدين عندنا كلمات أربع قالهن خير البرية

اتق الشبهات وازهد ودع مــا ليس يعنيك واعملن بنية

ومعناه واضح، وهو من الأهمية بمكان للمرء المسلم ليعيش بعيداً عن الأمور التي هو في غنىً عنها، وبحسبه أن يهتم بخاصة نفسه وبمن له ولاية عليه، لاسيما وقد عافاه الله تعالى عما لا طاقة له به، وما لا يعنيه من قريب أو بعيد، فلو أن الناس عملوا ذلك لأراحوا واستراحوا، كما قال المثل السائر: لو أنصف الناس لاستراح القاضي، إلا أن بعض الناس لا يرضيه إلا أن يحشر نفسه في القليل والكثير، والخير والشر، والقريب والبعيد، وكأنه موكل ببني آدم لا تبرأ ذمته إلا بالوفاء بما وكل به، وهذا مما عفا الله تعالى منه خواص خلقه، فضلاً عن غيرهم، فنبي الهدى المأمور بالبلاغ المبين لم يكلفه الله تعالى أن يحرص على هدى الناس، بل آيسه من ذلك، واكتفى منه بأن يبلغ البلاغ العام، ويواصل الهداية والإرشاد، بقلبه الرحيم ولسانه المبين، هذا وهو المبعوث للناس كافة بشيراً ونذيراً، وهو الأسوة الحسنة لعامة المؤمنين، فضلاً عن علمائهم، فإذا ترك العلماء التأسي به صلى الله عليه وسلم فبمن يقتدي الناس وقد أمروا بالرجوع إلى العلماء؟

يا معشر القراء يا ملح البلد ما يصلح الملح إذا الملح فسد

إن العالم الرباني، والداعية المخلص، عليه أن يكون متجرداً كل التجرد من حظوظ النفس والهوى والزعامة والطائفية الحزبية، عليه أن يكون أمةً في نفسه، يعلم أن الله تعالى إنما خصه بالعلم وحرمه كثيراً من الناس ليكون لكل الناس لا لطائفة أو حزب، فلا يسمح لخواطره أن تغلبه فيكون حاكماً على من يخالف هواه أو جماعته، بل يحمل الناس على حسن الظن، ويسلك معهم سبيل الحكمة، ويعذرهم في ما يرونه صالحاً لأنفسهم وبلدهم، فلعل لهم من الأعذار ما تذهب معها الملامة، ولذلك نُهِيَ الناس أن يتدخلوا في شؤون البيوت التي لها أسرارها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا يُسأل الرجل فيم ضرب امرأته»، مع أنه قد جعل الضرب دليل عدم الخيرية في الرجال؛ إلا أن الناس لا يطلعون على خفايا الأمور وبواطنها، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه.

فإذا تطورت الأمور إلى التشهير والتقريع عبر قنوات الفضاء العالمية ونحوها كان ذلك أدهى وأمرّ، وهو أمر لا يتحمله عامة البشر، فضلاً عن خاصتهم، وهو من عدم التوفيق قطعاً، بل مثل ذلك يعتبر من الهفوات التي لا تحتمل، ولذلك قال العلماء:

تعمدني النصيحة في انفرادي وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوع من التقريع لا أرضى استماعه

وقالوا: من نصحك سراً فقد زانك، ومن نصحك علناً فقد شانك

فيا ليت الدعاة والعلماء يكونون بهذه المثابة؛ ليهتدي بهم الناس لا ليقلُوهم.

 

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء .

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر