مزاح.. ورماح
صباح الخير «يُمه»..
لأن حب الأمهات مثل قوانين الكون لا يتغير.. أنشر هذا المقال الذي كتبته قبل سنوات.. وأهديه لكل الأمهات البعيدات في عيدهنّ..
❊❊❊
تأخّرت قليلاً فسامحيني، جميع الخطوط هذا الصباح مشغولة، وتصدر رنيناً متقطّعاً وبكاءً متقطّعاً وغربةً متقطّعة، جربت مرّة، مرتّين، عشراً، ألفاً، بلا فائدة، فجميع الخطوط مشغولة، ما استدعاني إلى ربط حبلي السرّي على كفّي لأهاتفك كما فعلت قبل ثلاثين عاماً، فهل سمعت بكائي المخنوق، وصوتي الممدود كسجّادة صلاة، هل شممت شعري الأسود الخيلي، وصهيل عمري الهارب بين خطوط يديك؟
تأخّرت قليلاً فسامحيني، كنت أربط خصر الدالية إلى ساقي كي لا تميل ساقي بفعل الريح وتنكسر، كنت أدوزن صورة أبي، وألمّ البيض البلدي نيابة عنّك، وأعد الفراخ و«أعرّبها» قبيل المغرب، وأعزل الصيصان البالغة عن تلك «القرّقة»، كنت أنهر ذاك الديك إذا ما تحرّش بإحداها، كنت أغطي أكياس القمح بقميصي القديم، وأغطي الحلم بقميص يوسف، كنت أعد الأرغفة وأكذب عليك، لكي لا تعجني في وقت متأخر من ليل متأخر من شتاءٍ متأخر، وتبرد يداك، كنت في الغربة القريبة،. طوال هذي السنين وأنا أكذب عليكِ وأنت تصدّقين، طوال هذي السنين وأنا أعد وأكذب أعد وأكذب، فلا أنا عدَتُ ولا أنت انتظرتِ، لأنك تعرفين أن كل الذين يغادرون أوطانهم يفقدون شجاعة الرجوع، فخيّطتِ وجوه وسائدك بيديك وتركتني أكذب..
جميل بيتك أيتها الغالية، مسبحتك ذات المائة حبّة، وضحكتك ذات المائة حبّة، وسائدك المطرّزة، وساعة الحائط، والراديو القديم الذي تتابعين به أخبار العاشرة، وفراشك الدافئ الذي كنت أندسّ به كلما قمت إلى صلاة «الضحى»، و«نملية» فيها كل شيء، أمشاط العظم، ودفتر العائلة، وفواتير الكهرباء، وصور أحفادك، وكارت المؤسسة المدنية، ودواء السكّري. والكلمنتينا، و«كعب هريسة» خبأته لي عن الأولاد، ما أجملك يا أمي، وأنت تخبّئين لي شيئاً من كل شيء «كعب هريسة» «حبّة كلمنتينا»، قبلة دافئة، وكارت عرس من أحد أصحابي.
«الله يرضى عليك يا أحمد» جملة أشتاق إليها، كلما انحنيت وقبّلت يديك عند عودتي، عند غربتي، عندما يقرأ لكِ أخي إبراهيم مقالي اليومي، وحزني اليومي ووجعي اليومي، «الله يرضى عليك يا أحمد» جملة أشتاق إليها كلما أحضرت لك إبريق الوضوء، ومددت لك سجّادة الصلاة وناولتك حبّة «السكريّ».
صباح الخير «يمّه».. صباح الخير يا ستّ الكل.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .