السطو على الذاكرة

سألني أحدهم، من غير المكان ذاته، عن «المول الذي أقيم باسم على غير المسمى»، والذي حل مكان السوق المركزي القديم في أبوظبي، فقلت إنه مجمع تجاري حديث تعلوه ناطحات سحاب استعار من المكان الاسم، وغيّر بعد ذلك الرسم، ومشى على خطوطه بالممحاة، ولم يترك من المعالم غير ما احتفظت به ذاكرة الزوّار الذين خانهم الحظ بأن عايشوا الفترتين، فترة السوق بالمفهوم والشكل الذي نعرف، وفترة السوق بمفهوم خربشات الحداثة وأطماع «البيزنيس»، التي نحاول أن نعرف ولا نستطيع أن نعرف.

لا تكفي استعادة الاسم ولا تنفع استعارة التراث بقليل من نقوش ديكورية ترسمها أيد أجنبية، لكي تقتنع الذاكرة بأن ما حدث كان تجديداً يفوق الترميم ولا يتعداه، فعندما تتجول الذاكرة في ردهات المكان تبحث عن ذاتها بين ممراتها، وتحاول أن تقلب صفحات دفاترها بين المحال والبسطات ولا تجد محل القدس للخياطة الرجالية، و«أفتاب» المجاور، وعمان للأقمشة و«دمشق للعطور»، وصاحب «الشاورما» الذي انزوى في الناصية الشمالية الغربية، ثم تبحث عن الاسكافي الأفغاني الذي افترش الباحة الرئيسة من القسم القديم في السوق، ثم تعرج على «المحل الجديد الحديث للإكترونيات»، وتأخذ استراحة متسوق بتناول عصير جوز الهند من كافتيريا «كوتي الملباري» المجاورة لباحة سوق الذهب، ثم تنهي الجولة بالمرور على محال «بوحليقة» و«خنجي»، لو لم تجد كل ذلك في مكانه وتعانق صوره وشخوص أفراده وتتحدث معه بلسانه، فلن يعني ذلك أنها لاتزال على وصالها بحاضرها، لقد انفصلت الذاكرة عن ركن مهم في المدينة أصبح يناطح السحاب، لكنه لم يفهم أصل الخطاب، وذلك هو السطو بعينه.

adel.m.alrashed@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة