أبواب

عالمنا الافتراضي

خليل قنديل

بعض المصطلحات التي تُطلق بسرعة، وفي لحظة البحث في حمى المُسميات، خصوصاً في النقلات الحضارية التي هي بالفعل تكون عميقة التأثير في المسلك الانساني عموماً، لا تخلو من غباء التسرع في تسمية المصطلح ونحته، ونحن هنا لن نقترب من المثال السطحي الذي جعل علماء المجامع اللغوية العربية يسمون الـ«ساندوتش» بمصطلح «شاطر ومشطور وما بينهما كامخ»، لأن الأمر لا يخلو من الفكاهة اللغوية.

إننا هنا سنأتي على مصطلح «العالم الافتراضي» الذي تم اعماده وتداوله على أساس أن التعامل مع عالم المواقع والإنترنت، على اعتبار ان العالم الافتراضي هو الذي يميزه ويجعلنا نتعرف إليه مصطلحاً.

لكن الأمور التي بدأت تتخلق من آثار هذا العالم الافتراضي منذ تورم فكرة ثورة المعلوماتية باتت تقودنا إلى قلب المفهوم بالكامل، بحيث بتنا نقوم بتحويل واقعنا الفيزيائي الذي نعيش إلى عالم افتراضي، بينما نشد رحالنا الواقعية كي نقيم بشكل واقعي وحقيقي في ذلك العالم الذي سمّيناه زوراً وبهتاناً بـ«العالم الافتراضي».

وفي حالة الإقدام على تفكيك بُنى هذا المصطلح المقترح نجد أننا نرتحل وبشكل يومي من عالمنا الواقعي، كي نشيد واقعية جديدة ضمن عالمنا الافتراضي. فالمكتبات العامة والعريقة عالمياً، نجدها وقد بدأت تتحول إلى مكتبات رقمية وإلكترونية، مهددة باختفاء الكتاب الورقي، وتبعتها أعرق الصحف العالمية اليومية والأسبوعية في التحول إلى مواقع إلكترونية. وتحولت كل أدوات الاتصال إلى الطريق الموصل إلى ذاك العالم الافتراضي.

وفي الذهاب الى أبعد من ذلك نجد أن تراكمات الطغيان التاريخية التي ارتكبها الديكتاتور العربي في زمن الدولة المعاصرة قد جعلت جيلاً كاملاً من الشباب يتجه إلى الإقامة في موقع «فيس بوك» و«تويتر»، كي يحرك كل ثورات «الربيع العربي» التي زلزلت المقاعد الرئاسية للديكتاتور العربي.

وفي مجالات أخرى أشد وقعاً نجد أن الشاشات المكهربة في قاعات البورصات العالمية التي تبث قواها الرقمية، صباح مساء، من ما يُسمى بالعالم الافتراضي هي التي باتت تقوض إمبراطوريات رأسمالية عالمية لتضعها على حافة العوز والإفلاس، لتزلزل نظريات اقتصادية كانت تبدو لنا ثابتة وراسخة.

والحال فإن ما يُسمى بالعالم الافتراضي هو الذي اقتلعنا من جذورنا الواقعية، وقام بترحيلنا إلى عوالمه العنكبوتية التي يصعب الفكاك منها.

وعليه، علينا أن نسمّي واقعنا المعيش بالعالم الافتراضي، ونسعى إلى تسمية ذاك العالم بأنه واقعنا الحقيقي ومرآتنا المقترحة التي بات لا فكاك منها!

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر