واحد يتكلم!
عقدت ندوة الثقافة والعلوم، الأسبوع الماضي، أمسية شعرية في حب الوطن، حضرها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حفظه الله تعالى ووفقه، كان بطلُها وشاعرها الوحيد الأديب الأريب الحسيب النسيب الأستاذ إبراهيم محمد بوملحة المستشار الثقافي للشيخ محمد، وقد طوف فيها الشاعر بين ذكريات دبي الجميلة وأخبارها الأصيلة بقصائده الأربع التي استغرق إلقاؤها نحو 45 دقيقة، كانت شاعريته مرهفة، وأسلوبه مبدعا، وإلقاؤه جميلا، وخياله واسعا، وشعوره عاليا، وتواضعه جمّا، وحاضروه كأن على رأسهم الطير إنصاتا وتذوقا. وكان أبدع ما فيها إعجاب الشيخ محمد لشاعرية الأديب، حتى أنه قاطعه بالتصفيق مع الجمهور عند كل معنى بديع، على كثرتها، وكان من إعجاب الشيخ بأمسيته وحسن بيانه، أنه ودّ أن لو طالت الأمسية منه ومن غيره، إذ قال معلقا تعليق المُعجَب: واحد يتكلم فقط؟! يشير إلى أنه لو كان قد شارك غيره في تلك الأمسية البديعة، لكان أعجب إليه، ولسهر معها من غير ملل ولا كلل، لأنه قد طرب بسحر البيان، وفنون الألوان الحسان، من بنات اللسان، لشاعر الذوق الرفيع والأدب الضليع.. فماذا يعني ذلك؟ إن لذلك أكثر من معنى.
أولها: أن دبي تستحق مثل ذلك الشعور وأكثر، فهي المدينة الأولى عالميا التي تجمع بين ضفتيها أصالة القديم وحضارة العصر الزاهية، وهي وإن جاءت متأخرة، إلا أنها سابقت الريح وسارعت الضوء في التقدم الحضاري والتقني والبيئي والصناعي والأمني والعدلي.. فهي تستحق أن يقال فيها الكثير من الإبداع الشعري والأدبي، وليس كثيرا عليها أن يحضر بشخصه الكريم أمسية لإحدى أفلاذ كبدها ليقول فيها ما لذّ سماعه، وطاب قوله، وحسن وصفه، وليس كثيرا عليها أن يتغنى بها البيان السحري، ولا الشاعري الحِكمي، فهي وإن قيل فيها الكثير فإنها تستحق أكثر، من غير تكلف ولا تصنع.
ثانيها: أن الشعر وهو المعبر البليغ عما تكنه الضمائر، وهو المريح للخواطر والضمائر، ينبغي أن يكون أربابه في دبي، الأصالة والحضارة والثقافة، أكثر من ذلك بكثير، فكما أن الصحافة تسهم مساهمة طيبة في نشر الكثير منه في أيام محددة، وزوايا معينة، فينبغي أن يكون لندوة الثقافة نصيب الأسد من هذا الشعر المرصع والأدب المنوع.
ثالثها: أنه حفظه الله تعالى أديب لوذعي يود أن يكثر أمثاله في الساحة لتكون ثقافة الأدب هي لغة المجالس، ومنهج الدارس والمدارس، لأن الأدب يوصل رسالة المجتمع للحاضر والآتي من الأجيال، ويربي الأهل والعيال، على كريم الخصال وحسن الفِعال، ولقد أقام سموه بنفسه في اليوبيل الفضي لدولة الإمارات أمسية كاملة من شعره الموزون المقفى والنبطي، وكم نشر من القصائد الراقية في الصحف والمجلات، لا ليفيدنا بأنه شاعر أديب، بل ليقول للأدباء وغيرهم: إن الشعر متعة وروعة ورسالة لمن كانت لديه موهبة. لا غرو في ذلك فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسر بسماعه ويستزيد منه، ويقول: «إن من الشعر لحكمة»، وأنشده الشريد، والد عمرو، مائة قافية من شعر أمية بن أبي الصلت يقول بين كل قافية: «هِيه»، أي زدني، وقال: «إن كاد ليسلم»، كما أخرجه مسلم.
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .