عمايل «الفوتو شوب»
زمان كانت توجد خانة في جوازات السفر يكتب أمامها «العلامات الفارقة»، توضع فيها بعض صفات صاحب الجواز غير الظاهرة في الصورة، التي ممكن أن تميزه عن غيره من المشتبه فيهم إن لزم الأمر، كأن يكتب مثلاً: «أسنان مستعارة» أو «إصبع سادسة في اليد اليمنى» أو ضربة «سكين» في الوجه، أو «عين زجاجية» إلخ.. ثم ألغيت هذه الخانة في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، بعد ان تطور نظام إصدار الجوازات، وتدقيق البيانات حاسوبياً في المطارات وغيرها من مخارج الحدود.
الآن ومع «الفوتو شوب» وتصحيح الصور، لم يعد للعلامات الفارقة أي وجود في وجوه الناس على الإطلاق، فكل الوجوه أصفى من الحليب، والعيون لامعة، والحواجب رقيقة، والآذان صغيرة، والشعر ناعم مسترسل، والأنوف مستقيمة، والابتسامات ساحرة، واللحى مهندسة، والشوارب مقصقصة، منذ 10 سنوات لم أر شامة واحدة في وجه أحد مستخدمي الـ«فيس بوك» أو المواقع الإلكترونية، كما لم أتمكّن من رصد «ثألولة» عابرة، أو حتى سنّ مكسورة أو أنف مجدوع، أو «وحمة» بارزة، أو خط تجاعيد على جبهة أو تحت جفن، كل المستخدمين الشباب باتوا يشبهون راغب علامة وتامر حسني وعيضة المنهالي، أما الشابات فتراوح ملامحهن بين هيفاء وهبي وزينب العسكري، وفي أحسن الأحوال خديجة بن قنّة.
حتى أنا لحقني من «الفوتو شوب» ما لحقني، فأول ما طلبت مني إدارة تحرير «الإمارات اليوم»، رسمة كاريكاتورية لترافق مقالي الأسبوعي، وجدت هذا البورتريه الذي أهداني إياه رسّام هاوٍ قبل شهور، ولسوء حظي كان هناك قلم بين أصابعي في الرسمة ـ حسب ما تخيله الرسام ـ وبعد تصغير الصورة لغايات الطباعة اعتقد بعض القراء أني أحمل «سيجارة» في محاولة مني للتشجيع على التدخين، والعياذ بالله. فلم يخلُ مقال من مقالاتي السابقة من تعليق أو تعليقين يلومانني على حمل «السيجارة ـ القلم»، وحتى تتخلص إدارة التحرير من وجع الرأس والتوضيح اليومي للمعلقين، استخدموا «الـفوتو شوب» لإزالة القلم كلياً من بين أصابعي، صحيح أني حزنت لانتزاع قلمي ـ رمز حريتي ـ مني عنوة، لكني لم أخفِ دهشتي من أن «الفوتو شوب» استطاع أن يتسرّب من بين الأصابع ويبطل «تشييييز» المصورين بهذه الحرفية.
❊❊❊
يااااااه لو أن هناك «فوتو شوب» للقلوب!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .