أبواب

غونتر غراس والسامية

خليل قنديل

استطاعت دولة الكيان الصهيوني وبجهود دولية و«لوبيات» أن تُدخل العالم في المقدس الذي يخصها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وصار الاقتراب من ايديولوجيتها الاحتلالية بمثابة تحريم من الوقوع في فخ معاداة السامية، إلى درجة سن القوانين الدولية في معظم الدول الغربية، تلك القوانين التي تجرّم كل من حاول تكذيب المحرقة الهتلرية النازية لليهود إبان الحرب العالمية الثانية، أو كل من يشك في حجمها وتعداد قتلاها، وكل من شارك فيها.

وقبل سنوات تعرض الشاعر والروائي الألماني صاحب نوبل «غونتر غراس» لتهمة معاداة السامية، لأنه كان قد خدم في مطلع شبابه في قوات «إس إس» النازية. وقد نهض العالم الغربي أجمع وقتها وبدعم من «اللوبيات» اليهودية لإذكاء العداء لهذا الرجل والسعي إلى محاكمته، لكن الرجل أفلت من العقوبة بأعجوبة!

لكن صاحب رواية «الطبل والصفيح» وفي زحمة بحث العالم عن الأمن النووي، ومحاولة القوى النووية العالمية منع أي دولة من العمل على برامج نووية حتى لو كانت سلمية، قام بنشر قصيدة جريئة بعنوان «ما ينبغي قوله»، اعتبر فيها أن إسرائيل وأسلحتها النووية تهددان السلام العالمي بالفعل، معتبراً أن إسرائيل تمتلك ترسانة نووية آخذة في الازدياد، مع أنها تبقى سرية ومن دون أي إشراف إذ إن أي عملية تدقيق تبقى محظورة.

وشجب غونتر غراس «الصمت المعمم على هذا الواقع» الذي يصفه بأنه «كذبة ثقيلة»، لأن تهمة معاداة السامية ستوجه مباشرة إلى الذي ينتهك هذا الصمت.

وتساءل غراس «لماذا أقول الآن فقط إن القوة الذرية الإسرائيلية تهدد السلام العالمي الهش في الأساس؟ لأنه ينبغي أن نقول ما قد يفوت أوانه غداً، ولن أسكت بعد الآن لأني سئمت نفاق الغرب لإسرائيل».

والحال أنه وما إن قام غراس بنشر هذه القصيدة في احدى الصحف الألمانية قبل أيام حتى بدا كأنه قد دخل عش الدبابير العالمي.

ومن يدخل الى موقع البحث في «غوغل» عن أصداء هذه القصيدة فسيجد العجب العجاب من كل هذا الاستنفار في «الميديا» العالمية ضد غراس لجرأته على مناقشة القوة النووية الإسرائيلية، وبالتالي اتهامه بمعاداة السامية!

والحال أيضاً أن من يتابع تداعيات «الميديا» العربية إزاء مثل هذه القصيدة التي فضحت إمكانات العدو الإسرائيلي النووية لا يجد إلا توصيفات للحادثة نقلت عن «الميديا» الغربية.

إن الواجبية العربية والإسلامية تقتضي الوقوف إلى جنب هذا الشاعر والروائي الجريء في شجبه لترسانة الأسلحة النووية في إسرائيل، ولعل هذا من أضعف الإيمان.

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر