نبش قبر «درويش» الشعري
منذ أن ذهب حضوره في الغياب القبري والأبدي، ظل الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، يشكل بين أصدقائه حالة خلافية لها علاقة بالغيرة والكيد للرجل الذي ما كان يقوى أحد من مريديه وأصدقائه، على مواجهته بأي ملاحظة حول أي جملة من جمله الشعرية.
ويبدو أن الفراغ الذي تركه الراحل درويش في مساحة الشعر العربي المعاصر لحظة غيابه بالموت، قد حركت الساكن والمسكوت عنه الذي لم يقل في حضرة الشاعر.
نعم هذا هو الحال العربي الدائم في التعامل مع قبر الرمز محمود درويش ونهش قامته. ففي البدء تنطع أصدقاء درويش وقاموا بالسطو على مسوداته الشعرية، وبعض قصائده التي لم تكتمل وقاموا بتجميعها ونشرها في ديوان.
أما الهجمة الثانية فاتهام قصار القامة الثقافية له بالاعتماد على النهج التوراتي في قصائده، على اعتبار أن التوراة تشكل مرجعية ثقافية لازمة لقصائد درويش، وخبايا هذه الهجمة تعني ببساطة تخوين الشاعر درويش الذي عاش ومات وهو يكافح وبشكل حضاري عن فلسطين وحضارتها الكنعانية العربية.
وأخيراً، وبالتحديد حين أعلن عن منح جائزة درويش الشعرية لهذا العام مناصفة بين الفنانة التونسية جليلة بكار والشاعر الفلسطيني زهير أبوشايب، حدث ما يُشبه الاستنفار في الساحة الثقافية الفلسطينية على وجه الخصوص وفي الساحة الثقافية العربية على وجه العموم، لكن الشجار في الساحة الفلسطينية كان أكثر وضوحاً، بينما اتسم الشجار عربياً بنوع من الباطنية المُصمتة!
وفلسطينياً كتب الناقد الفلسطيني وليد أبوبكر حول الجائزة مقالة نشرتها صحيفة «الدستور» الأردنية، كما كتب حول الجائزة أيضاً وفي الصفحة ذاتها الشاعر الفلسطيني مراد السوداني رئيس بيت الشعر الفلسطيني.
وقد عبر أبوبكر في مقالته التي حملت عنوان «جائزة محمود درويش هبوط لا يحتمل السكوت»، عن الهيلمان الفلسطيني الثقافي السائد في مؤسسة محمود درويش، والشخصانية والاخوانية في تعاملها مع جائزة مهمة مثل جائزة الشاعر محمود درويش، داعياً الى الارتقاء بمستوى الانتقاء لمن تمنح الجائزة لهم مستقبلاً.
من جهته، طالب الشاعر مراد السوداني بتحرير مؤسسة محمود درويش، داعياً المثقفين العرب والفلسطينيين الذين يرشحون للجائزة مستقبلاً أن يرفضوها، موضحاً أن المختلف عليه هو أن تخطف مؤسسة محمود درويش، ويكون على رأسها أمين سر اللجنة التنفيذية ياسر عبد ربه، وهو أمر يكرس هيمنة السياسي على الثقافي، وهو ما رفضه الشاعر الكبير محمود درويش.
بقي أن نقول إن رفات درويش وشعره المُشع في الوطن العربي والعالمي سيظل يثير شهية نبش قبره الشعري، وإعادة تخليقه عبر حماقات لا تتوقف.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .