المتهم عُقب سيجارة
عُقب سيجارة متوهج تقذفه يد غافلة من نافذة بأحد الطوابق العلوية فيستقر على أغراض منزلية قابلة للاشتعال في بلكونة سفلية لتحترق وتحرق معها برجاً سكنياً مكوناً من 25 طابقاً، فيأخذ الحريق محتويات 51 شقة ويمتد إلى موقف السيارات ليلتهم 14 سيارة كانت تقف أسفل البرج. كأنه مشهد في فيلم سينمائي، ولكنه في الحقيقة كان واقعاً وثّقه تقرير المختبر الجنائي في شرطة الشارقة، حول حادث الحريق الكبير الذي وقع في برج «الباكر 4» بالشارقة في شهر يناير الماضي.
ومن خلال هذا المشهد الفظيع يمكن أن نتخيل ماذا تعني المسؤولية الفردية؟ ماذا يمكن أن يُحدث إلقاء الأذى في طريق الآخرين من نتائج مأساوية قد تؤذي كبوداً رطبة ليست بالضرورة كبوداً بشرية، وقد يتجاوز أذاها محيطها الصغير الى ضرب المصلحة العامة وتهديد سلامة المجتمع. وربما لولا لطف الله ثم جهود رجال الدفاع المدني لامتدت النيران الى الجار الأربعين لبرج الباكر وأكلت من الشارع وما عليه من شجر وبشر وسيارات ولم تبقِ ولم تذر، والسبب واحد «رايق» عجز عن استخدام المنفضة القريبة منه فأرادها منفضة كبيرة لم يتوقع أن تصبح «ولاعة» عملاقة تحرق الزرع والضرع.
ومثل هذا المسيء المجهول كُثر، كل يلقى أذاه على غيره بطريقته. ليس المدخنون فقط، ولا غير المتعلمين وحسب، ولا الصغار دون الكبار. ولا تقتصر الإساءة على إلقاء الفضلات في غير موضعها، وإنما هو نمط حياة وثقافة تكاد تكون مشتركة يلقي فيها الكل بالمسؤولية على غيره في جمع نفاياته أو إماطة أذاه أو الالتزام بالأنظمة والقوانين نيابة عنه، ويُخرج نفسه من دائرة المسؤولية ليلقي بأوزاره إما على المؤسسات العامة وإما على من حوله في البيت والشارع والمدرسة ومكان العمل.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .