أبواب
التكفين الحضاري!
من يراقب مسيرة حضارتنا المعاصرة، لابد أن يلحظ أن قوى هذه الحضارة قد بدأت تخور، تحت وقع ضربات متلاحقة، لعل أهمها ارتهان هذه الحضارة إلى قوى غربية وأميركية بالتحديد، ورغبة التهام أراضي الكوكب واحتلال أرض شعوبه ضمن مسوغات اقتصادية طفيلية، وضمن بشارة الديمقراطية التي صارت قوى الإعلام العالمية تسوقها كالبلسم الشافي للشعوب.
وضمن هذا السياق باتت الحضارة السائدة تعاني عجائزية تشبه تماماً تلك العجائزية التي كانت تميز الحضارات التي كانت سائدة، مثل اليونانية والرومانية وربما الفارسية، وحتى البريطانية آخر عجائز الحضارات!
نعم إننا نعيش مرحلة ما يمكن تسميته بـ«تكفين حضارتنا السائدة»، ومنذ انتهاء الحرب الباردة التي أنهت جمهوريات الاتحاد السوفييتي، وبشرت بتسيد القطب الواحد «أميركا»، والعالم يعيش ارتباكاً حقيقياً على مستوى الأداء الحضاري.
حدث ذلك من خلال استعداء العالم على الإسلام عن طريق «هينتغتون» الذي بشر في كتابه «صراع الحضارات»، بأن العدو الوحيد للعالم بعد انتهاء الشيوعية هو الإسلام، على اعتبار أن الإسلام هو عدو الحضارات بامتياز، وتوج «فوكوياما» هذا بكتابه أو كراسته «نهاية التاريخ»، على اعتبار أن التاريخ يمكن أن يكو ن قابلاً للتكفين هو الآخر!
وكان نتاج هذا التبشير العدواني ضد الإسلام هو تفريخ منظمات إسلامية إرهابية استطاعت أن تدمر برجين في نيويورك، مثلما استطاعت أن توسم الإسلام بالإرهاب، وصار الإرهاب هو الفزاعة التي يحملها الغرب وأميركا، لا بل صار هو القناع الاحتلالي الذي منح الترخيص لأميركا وقوات الناتو باحتلال العراق وأفغانستان، تحت شعار مكافحة الإرهاب!
وذهب التبشير بعداوة الغرب وأميركا للإسلام إلى إنتاج مصطلح «فوبيا الأسلمة»، في الغرب تحديداً، ودخل المسلمون هناك في عراكات على بناء المساجد وارتفاع قامة المآذن، وعلى الحجاب، وعلى أدق مظاهر العبادة في الدين الإسلامي.
والملمح الثاني من بشائر تكفين حضارة القطب الواحد هو الانهيارات الاقتصادية المتلاحقة، ورفع سقف المديونية للدول الغربية وأميركا، والارتفاع المرعب في منسوب البطالة، التي أوصلت بعض الدول الغربية إلى مستوى الإفلاس والتظاهرات والإضرابات. وبلغ العجز المالي درجة تحقيق النبوءة الماركسية التي تنص على أن رأس المال سيصل إلى مرحلة يتضخم فيها إلى أن يصل به الحال إلى قضم روحه ذاتها.
ووسط هذا السقوط المدوي لحضارة اعتمدت التجييش وعسكرة تحضرها ونهب مقدرات الشعوب، ينهض التنّين الصيني صاحب أقدم حضارة على الأرض كي يتكفل بشراء قماش التكفين وحفر القبر، ودعوة العالم أجمع كي يشارك في تشييع حضارة ظلت ومنذ نهوضها مغمّسة بدم الشعوب.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .