كل يوم
ثقافة جديدة لا نتمنى انتشارها!
تحتفل معظم الدوائر والهيئات بذكرى إنشائها، وهذه من دون شك عادة حميدة، تكرس من خلالها المؤسسات مفهوم الاحتفاء بالمكان، وبالأفراد المتميزين، حيث يتم في العادة تكريمهم على ضوء الاحتفال، لكن أن يتم الاحتفال بمرور الذكرى السنوية لتعيين المدير العام لهيئة حكومية، فالمسألة هنا مستهجنة، وغريبة، ودخيلة أيضاً، فمجتمعنا لم يألفها، ولا أعتقد أبداً أنه سيستسيغها!
إنها تكريس لثقافة جديدة غير محببة، وهي ثقافة تحويل العام إلى شخصي، فالهيئات والدوائر والوزارات، هي مؤسسات عامة مملوكة للدولة، وقيمتها ووزنها يكمنان في ذلك، فهي الدائمة، والأشخاص فيها متغيرون، لا فضل لمدير عام على هيئته، فهو مطالب بالعمل والإنجاز والإبداع، طوال فترة عمله، ولا يحق لدائرة أو حتى إدارة أو قسم تحويل هذه الهيئة إلى ملك شخصي تحتفل فيه بذكرى تولي المدير العام منصبه الحكومي، تماماً كما تحتفل بعيد ميلاده، إنها بدعة جديدة، وظاهرة لا نتمنى انتشارها أبداً!
حدث ذلك فعلاً في هيئة اتحادية، وأقيم احتفال كبير بمناسبة مرور أربع سنوات على تولي مديرها العام منصبه في الهيئة، وتضمن الاحتفال عروضاً لبعض الفرق الموسيقية، إضافة إلى فيلم تسجيلي عن طفولة المدير، وتم توزيع الملصقات ووضع «بادجات» على صدور الموظفين تحمل صورته، وانتهى الحفل بتقطيع كعكة كبيرة عليها صورة المدير العام، مكتوب عليها «نفخر بقائدنا»!
بالتأكيد لن يمنع أحد موظفي الهيئة من الفخر بالمدير العام وبإنجازاته، وقد يكون المدير مستحقاً هذه الثقة، ولربما هو فعلاً من أصحاب الإنجازات، لكن الاحتفال بهذه الطريقة مستهجن، لأن فيه خلطاً واضحاً بين تأدية المدير مهام رسمية كواجب تحتمه المهنة عليه، وبين شخصنة العمل وربط المؤسسة بشكل غير لائق بشخص المدير، هذا الخلط هو خطأ كبير، لا نتمنى تكراره أو تكريسه في الدوائر والهيئات، لأننا كنا نظن أن المؤسسات تجاوزت ذلك منذ سنوات.
وحتى لا يتحول الموضوع أيضاً إلى شخصي تجاه المدير، فإن الاعتراض هنا ليس على شخصه، وإنما على الفكرة نفسها، وعلى تصرف الموظفين والإدارة المعنية بترتيب هذا الاحتفال، فإن كان هو على علم بالترتيبات كافة ووافق عليها، فإنه حتماً ملوم في ذلك، وإن كانت هي مبادرة منهم بهدف مفاجأته تعبيراً عن حبهم له، فقد خانهم أسلوب التعبير المبالغ فيه، وكان الأجدر أن يبرهنوا على حبهم له بمزيد من الجهد والعمل والإبداع، وليس بأفكار غريبة تسيء له بشكل كبير!
لكل مدير بصمة، لا خلاف في ذلك، وقد تكون بصماته إيجابية ومتطورة، أو تكون عكس ذلك، لكن المؤسسات لا ترتبط بشخص المدير، مهما كان نوع بصماته، فهل يجوز أن نحتفل كل عام بذكرى مرور سنة على تولي مدير هيئة أو دائرة منصبه؟ ترى كم نحتاج لذلك من وقت وجهد ومال؟!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .