مزاح.. ورماح
أخطر بكثير
بتقليب بسيط بـ«الريموت كنترول» تستطيع أن تحكم على مستقبل هذه الأمة العظيمة، فأكثر من ثلثي القنوات إما «نوادٍ ليلية فضائية» أو «خشش» شعوذة وتدليس يديرها تجار ومحتالون يبيعون الوهم للمشاهدين، المشكلة أن النوع الأول من الفضائيات يستبدل العاطفة بالغريزة، والنوع الثاني يستبدل العقل والإيمان بالله بـ«البركات» وهذا الأخطر.
❊❊
إحدى هذه القنوات تبث برنامجاً مسائياً، حيث يتلقى «فضيلة الشيخ» ـ حليق اللحية والشارب ـ عشرات المكالمات من دول عربية، معظمها يتعلق بأمراض مزمنة وحالات مستعصية وبعضها ميؤوس منها، فيلعب على وتر العاطفة من خلال رفع وخفض ذبذبات صوته، ثم يطلب من المريض أن يحضر «ماءً معدنياً» و«زيت زيتون»، ثم يلقّن المتصل كلمات التوكّل والشفاء، بعدها يطلب منه شرب الماء والدهن بالزيت، لمدد تراوح حسب الحالة أو مزاج فضيلته.
على محطة أخرى مشابهة، اتصلت إحدى المشاركات شاكية لفضيلته أن ابنتها بلغت من العمر 30 عاماً ولم تتزوّج بعد، فما كان منه إلا أن قال لها «جاهز المي والزيت»؟ ثم بدأ بتلقين كلماته ونصحها بأن تشرب الماء لمدة شهر. وأخرى قالت إنها أصيبت بجلطة أثّرت في جانبها الأيسر، فما كان منه إلا أن قال «جاهز المي والزيت»؟ ثم لقنها كلمات التوكل والمسد، وأمرها بأن تستمر على الزيت لمدّة شهر كامل، ومن المعروف طبياً أن من يصاب بالجلطة يحتاج إلى ثلاثة أسابيع حتى يستعيد حركة اليدين والرجلين الطبيعية، ثم اتصل آخر من المغرب العربي وقال له: عندي «شريان مسكر»، فقال له: «المي والزيت»، وآخر «ديسك» برضه «مي وزيت»، وحالة أخرى «بهاق».. «مي وزيت»، وأنا على يقين لو اتصل أحدهم وقال له: إن «سيارته بتقطّع» لقال له أحضر «المي والزيت» وامسح على «البودي» ثلاث مرات باليوم وستتعافى «البواجي» بإذن الله، وما الغرابة في ذلك مادامت الدقيقة بأربعة دولارات والحّسابة بتحسب.
رجل آخر له قناة متخصصة تبث برامج عن الرقية وعلاج المس والتداوي بالأعشاب، ويظهر حالات ـ مدفوعة الأجر ـ على أنها شفيت على يده، تدعو الناس إلى نبذ المركّبات الكيمياوية واللجوء إلى «حشائش الأرض»، صدمني عندما قال إن مرض السكري ما هو إلا عبارة عن «نظرة عين» والرقية كفيلة بأن تشفي المريض الى الأبد.
وبعد كل اتصال، ومهما كانت الحالة، يطلب «فضيلة الشيخ» من المريض أن يترك عنوانه في «الغاليري» لتتم عملية تحويل المال اللازم ثمن «قارورة ماء قرأ عليها عن بعد» أو «100غرام من الحبة السوداء عطس عليها البركة».
❊❊
قنوات الشعوذة أخطر بكثير من قنوات «العري»، فهذه تتغطّى بالدين والبركة والطب الشعبي، فتعرّي عقولنا وتشوش على إيماننا بالله، وتعيدنا ألف عام من التخلف، وإحنا مش ناقصنا بصراحة.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .