حروق الأبجدية

ستظل جزءاً من ثقافتهم التي لا ولن تتغير.. تماماً مثل «النقوط» في ثقافتنا و«بوس اللحى»، وعبارة «مسّيك بالخير»، التي يمضي جماعتنا ثلاثة أرباع جلستهم في تداولها في ما بينهم، قبل أن يدخلوا في صلب الموضوع.

❊❊❊

المواطن الأوروبي، أينما وجد، وكيفما وجد، ومهما كان الظرف المحيط به.. عندما يشعر بوقت فراغ ولو كان بسيطاً، يفتح حقيبته، يخرج كتابه ويبدأ بالقراءة.. أبداً لا تعنيهم «هواية البحلقة» مثلنا، ولا يمارسون «رياضة» التفرّس في وجوه المارين، أو النظر بنصف عين إلى الجالسين في الكراسي المجاورة، كل ما يعنيهم أن يمضوا وقتهم الفاصل بين لقاءين، أو بين عملين مفيدين، في القراءة والثقافة.. لذا تجدهم أينما حلّوا، في المطار، في الحافلة، في السوق، في الحديقة العامة، في «الأسانسير»، في «التواليت».. يقرأون من كتب صغيرة وذات خطوط رفيعة مثل النشرات المرفقة بالدواء دون كلل أو ملل.

❊❊❊

أول من أمس، كنا في مطعم شعبي قديم ومعروف في الأردن منذ خمسينات القرن الماضي. مطعم «هاشم» في وسط عمّان، حيث جلس أربعتنا على الطاولة، بينما جلس سائح غربي على طاولة مقابلة طالباً «سندوتش فلافل» وكوباً من الشاي، ابتسم للنادل، وبدأ يقرأ في كتاب عن طرق «اصطياد سمك القرش»، حقيبته بين ساقيه، ويده على خده يقرأ بتمهل وإمعان، دون أن يُشعر أحد بوجوده.

أما نحن فقد بقينا نصف ساعة نتجادل ونتناقش ونختار حتى استقررنا على طلباتنا (صحن حمص، وصحن فول، وصحن فلافل)، لا أدري لماذا استهلكنا كل ذلك الوقت، مع أن المطعم لا يقدم إلا هذه الأصناف الثلاثة أصلاً.. وبعد أن استقررنا على الطلبات بدأنا بالجدال على منسوب الزيت والشطة على كل صحن.. لتليها معركة طاحنة بين الأصدقاء في «فغش البصل» و«قصم قرون الفلفل الحار في لقمتين»، والانتقال بطريقة عجيبة في الحديث من الفول إلى «الفوتبول» إلى السياسة دون ترابط أو منطق، وبينما نحن مشغولون بالثرثرة المرجو منها إشغال الوقت والبطون.. كان الشاب الأوروبي النحيل قد أنهى فصلاً كاملاً من الكتاب.

❊❊❊

تقول إحصاءات الـ«يونسكو» إن معدل قراءة الإنسان العربي هو ست دقائق سنوياً، مقابل 200 ساعة يقرؤها الأوروبي.. وتقول إحصائية أخرى إن معدل القراءة في الوطن العربي كاملاً، لا تتجاوز 4٪ من معدل القراءة في بريطانيا وحدها.. هذا إن قُرأ ـ وغلّب حاله أبوعرب ـ فهو لا يقرأ إلا مصائب وإثارة من: تهريب، اغتصاب، كيف تصبح مليونيراً، الأبراج، كيفية زيادة الباءة.

❊❊❊

نحن أمة تعودنا أن نكافئ الحرف بالحرق منذ الطفولة.. وخير دليل على ذلك كرنفال تمزيق وحرق الكتب على أبواب المدارس، وقرب أسوارها فور الخلاص من آخر امتحان.

❊❊❊

«خير جليس في الزمان» «آي فون»!

 

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة