من المجالس
«أوت أوف فوكس»
في ثقافة ما بعد الطفرة امتلأت قواميسنا الاجتماعية بالكثير من المتناقضات التي تجعل الفعل حلالاً في مكان، وحراماً في مكان آخر، وتضع له التوصيفات على مقاس الفاعل، لا حسب القيمة والاعتبار.
الأجنبي إذا تبسط في لبسه، واقتصد في أكله، فذلك لأنه إنسان بسيط ومتحضر، يعرف للنعمة قدرها، والمواطن أو العربي، إذا تمرد على المظاهر، وآثر البساطة، فإنه يصبح من فصيلة «الزطوط»، الذي لا يتمتع بالخير، ولا يحدث بالنعمة.
والأجنبي إذا ركب سيارة «كيا فورويل»، فإنه يهتم بما يريده هو لسد حاجته، لا ما يريده له الآخرون لرفع درجته، والمواطن لو فعلها فالعار يطال أولاده وبناته في المدرسة، وعند باب «المول»، مشفوعاً بنظرات الاستنكار، وربما الاحتقار، فإن لم تكن «رينج روفر»، فأقلها «لاندكروزر».
والأجنبي إذا لبس «الشورت»، وانهمك في غسيل سيارته، أشارت إليه الأصابع مشيدة ببشر كهذا، يعتمد على نفسه، ولا يرمي كل أحماله على غيره، وربيعنا إذا أخذته العزة مرة، وقرر إضافة غسيل السيارة إلى مهامه المنزلية، لاحقته الاتهامات بقطع أرزاق الفقراء المنتشرين في المواقف العمومية، من وراء عين إدارة الجنسية والإقامة. والأجنبي إذا أقام حفلة عرسه في مطعم، وشبك شريكته بخاتم من ذهب عيار ،18 فإنه يطبق السنّة، وإن لم يكن مسلماً، والمواطن إذ فكر في مقاربة من هذا المشهد، نزولاً عند تعاليم الكتاب والسنّة، واجه قائمة من الاتهامات، أقلها أنه «ما يعرف السنع».
حلال عليهم حرام علينا، وهذا بأيدينا لا بأيديهم، فالطفرة المادية جاءت ومعها طفرة في المفاهيم، أنستنا مشيتنا، ولم تسعفنا على المشي بطريقة الآخرين، فصرنا نرى الأشياء «أوت أوف فوكس».
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .