لحاف «الراتب»..
بعض الأمثال القديمة يجب أن يُحدّث بين فترة وأخرى، تماماً مثل بورصة الأسعار، جداول الناخبين، أدلّة الهاتف، عناوين المشتركين.. إلخ، لاسيما تلك الأمثال التي تتحدّث عن طرق التكيّف الاقتصادي وشؤون التدبير والسترة، وذلك كي لا تفقد قيمتها أو تضلل متعاطيها من أمثالي، ولا «يهونوا السامعين».
فمثلاً منذ بداية الشهر وأنا أحاول أن أمدّ رجليّ «على قدّ لحاف الراتب» انصياعاً للمثل التراثي، من دون جدوى.
استلقيت على ظهري ويداي فوق صدري كما المومياء الفرعونية، ثم فردت الراتب على طولي ومع ذلك بقيت «مكشوفاً»، ثنيت نفسي كوسادة تحته، ومع ذلك بقيت مكشوفاً، تمدّدت مثل قطعة المعجون من بدايته إلى نهايته، ومع ذلك بقيت مكشوفاً، تقلّصت وبقيت مكشوفاً، انكمشت وبقيت مكشوفاً، أطفأت رأسي في الفراش كما تُطفأ السيجارة ومع ذلك بقيت مكشوفاً، طويت نفسي على نفسي مثل مكوك الخياطة ومع ذلك بقيت مكشوفاً، انتصبت إلى الحائط وأنزلته على كامل جسمي وبقيت مكشوفاً، أخذت طرف اللحاف وتدحرجت به كما تلف «السندوتش» ومع ذلك بقيت مكشوفاً، اضطجعت يميناً ويساراً، شمالاً وجنوباً تحت الراتب، فوق الراتب، وبقيت مكشوفاً، نصبت ساقي على شكل مثلث، فوق الفرشة، ومع ذلك بقيت مكشوفاً، جربت كل الأشكال الهندسية بجسدي، المنتظمة منها وغير المنتظمة، ومع ذلك بقيت مكشوفاً.
لم أدع طريقة لأمد رجليّ على قدّ لحافي إلا وجربّتها، ولم أدع وضعاً للنوم إلا وطبّقته، ولا جنباً إلا و«ريّحته»، ولا وسيلة توفير إلا اتبعتها، ولم أترك وسيلة مساعدة إلا واستخدمتها، بجوارب ومن دون جوارب، ببيجامة ومن دون بيجامة، بحجول ومن دون حجول، دون جدوى.
يبدو أن «لحاف الراتب» مقاسه ولادي.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه