ماذا يجبر النفوس بعد كسر الكؤوس؟
كان متوقعاً أن يستخدم النظام في سورية القوة لقمع معارضيه، ولم يكن مستبعداً تغيير وجهة الجيش من حماية الثغور الى قنص الصدور، فليس من طبع الطغاة التسليم عند أول نداء، وليس في قواميسهم معنى لفن الاستماع، ولنظام دمشق سيرة ذاتية خاصة بالاستئثار بالصوت ورجع صداه. كل ذلك كان متوقعاً، ولكن في الشوارع والميادين وضد المتظاهرين والمحتجين، بقوات الأمن والجيش وتوابعهما، ولم يكن في الحسبان أن يجعل النظام منذ بداية حركة الاحتجاج ضده من الأطفال وقوداً لناره التي يقوم بإضرامها في كل بقاع سورية، وبشكل يهدد بوصول ألسنتها إلى ما وراء الجوار. القوة المفرطة أسلوب قديم تستخدمه الحكومات الجائرة أو الدول المستكبرة لإرهاب الخصم وإيصاله الى درجة اليأس والانكسار، وخلط الأوراق الأمنية عبر إثارة الفوضى. وإطلاق وحوش الجريمة المنظمة لنزع الشعور بالأمان من قلوب الناس وسيلة دموية أخرى لدفع الناس الى أن يكون الأمن أقصى أمانيهم، فيطلبونه من زارع الخوف ليكون هو المانع والمانح لهذا الشعور في الوقت ذاته. ومع اتساع رقعة الاحتجاجات وزيادة ضغوطها على النظام تبدو الأحداث في سورية متجهة بشكل قد يفوق ما سبقه من تصعيد يكون المدنيون، خصوصاً الأطفال، هم أكبر ضحاياه، وتكون الوحشية السادية هي مشهده، خصوصاً أن كل الإشارات التي تصل الى نظام دمشق من المجتمع العربي والدولي لا تتجاوز حدود الهمس عبر الميكروفونات وقليل من مراقبين فاقدين للحيلة، ولكن حركة التاريخ تثبت أن الكأس إذا انكسرت فإنها لا تحفظ ما بداخلها، وقد انسكبت في سورية دماء لم يعد للكأس بأس على استرجاعها.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .