كل يوم
معلمون نهاراً.. «طبابيخ» ليلاً!
مؤلم جداً ما آلت إليه حال المعلمين في كثير من المدارس الخاصة في الدولة، وحالهم المتواضعة تعكس بشكل واضح حال التعليم بشكل عام، لأن المعلم هو محور العملية التعليمية، إن صلحت حاله صلح التعليم والعكس صحيح، من دون شك.
معلمون يتقاضون رواتب شهرية تبلغ 2000 درهم، يعني بمقدار راتب السائق والطباخ، وبعض خدامات المنازل، أو ما يطلق عليهم أصحاب المهن المساندة، وبما أن وضعهم لا يمكن أن يستقيم بمثل هذا المبلغ وسط الموجات الغلائية المتواترة في الدولة، فقد اضطروا إلى العمل بنظام الدوام الجزئي في مهن أخرى لتحسين ظروفهم، ومواجهة أعباء الحياة المتزايدة، والغريب في الأمر أن معظم هذه المهن المؤقتة لا تتناسب أبداً مع قيمة مهنة التعليم، وهيبة المعلم، مثل الطهي والتزيين والحلاقة والوساطة العقارية!
معلمون نهاراً و«طبابيخ» مساء، هل هذه النوعية من المعلمين هي التي ستخرّج لنا جيل المستقبل؟ أي تطوير للتعليم ذلك الذي نسمع عنه كل يوم في كثير من التصريحات والندوات والمؤتمرات، ونحن نهمل أهم جزء في العملية التعليمية بأسرها!
هي ليست مسؤولية المدارس التي عينت هؤلاء المعلمين، إن لم يجبرها أحد فلن تصلح حالها بحالها، ولا يخفى على أحد طغيان الصبغة التجارية على جميع المدارس الخاصة من دون استثناء، كما أن المعلم نفسه لا يمكن إلقاء اللوم عليه، فهو بحاجة ماسة إلى تدبير أموره الحياتية كإنسان، وإن لم يستطع ذلك وهو معلم، فلا مانع لديه أن يصبح أي شيء خلاف المعلم في وقت آخر، إنها مستلزمات الحياة!
إذن المشكلة في الرقابة وفي الجهات المشرفة على التعليم، فكيف ترضى باستمرار هذا الوضع، إذا كانت الدولة قد وضعت حداً أدنى لرواتب العمال وأصحاب المهن البسيطة، وحتى خدم المنازل، لهم حقوق واضحة ورواتب محددة، فهل يجوز أن يترك المعلم هكذا تحت رحمة المدارس وجشع أصحابها؟!
لا ننكر أن المدارس الخاصه هي جزء من نظام القطاع الخاص، الذي يعتمد على العلاقة القانونية بين المؤسسة والأفراد، سواء كانوا معلمين أو إداريين أو أفراداً، لكننا هنا نتحدث عن تعليم وعن أجيال يجب أن تتأهل، ولا يجب أبداً أن تنحصر النظرة على هذه الزاوية التي تصلح أن تنظم عمل بقالة أو سوبر ماركت أو شركة مقاولات، لا أن تكون مبدأ لإدارة تعليم!
معلمون كثر في مدارس خاصة يصفون التعليم بأنه «خدمة إجبارية»، وكل الظروف المحيطة بهم تؤدي إلى ضعف وخفض مستواهم التعليمي، وهذا يعني بالضرورة الإضرار بالطلبة أنفسهم، وتراجع العملية التعليمية في المدارس التي يعملون بها، فكيف سيكون مستوى الطالب إن كان هذا هو مستوى المعلم؟!
يجب ألا يترك هذا الأمر، فالوضع سيئ للغاية، ولابد من التحرك سريعاً لتحديد حد أدنى لأجور المعلمين يتماشى مع غلاء المعيشة، ويعمل على مساعدتهم للتفرغ لتطوير أنفسهم ورفع مستواهم، لأن الأجور لها ارتباط مباشر بالجودة «فإذا كنت تدفع (فولاً سودانياً) فإنك ستوظف...»، كما يقول المثل الأميركي الشهير!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .