مزاح.. ورماح

اششش.. ثانوية عامة

أحمد حسن الزعبي

تصبح المنازل في سنة الثانوية العامة منطقة عسكرية حقيقية، ممنوعاً فيها التجول، ومحرماً فيها الضحك، والكلام المرتفع، والمشي السريع، والعطاس الشديد، والسعال الخشن، كما يمنع فيها سقوط الطناجر، ونفاد القهوة، وتأخّر تحضير النسكافيه الثلاثة في واحد.

في هذه السنة تحديداً يصبح الطالب ـ بقدرة قادر ـ شديد الحساسية للسمع والانزعاج والانفعال، وشديد المبالغة في قصّة التركيز تلك، وكأنه على مشارف الانتهاء من تحضير قنبلة نووية صغيرة.

فإذا ما مشت نملة على أرضية الطابق العلوي، فإنه يرمي الكتاب من يده، وينزوي في غرفة الجلوس متحجّجاً أمام والديه بأن جيران الطابق العلوي لا يراعون ظرفه ويصرّون على «الدّبدبة في المشي»، فيخرج الأب بمنتهى اللياقة والخجل ـ إرضاء لابنه ـ ويضرب جرس الباب طالباً من الجيران أن يجلسوا تلك «النملة» على كنبة خاصة لأن لديه طالباً في الثانوية العامة.

وإذا ما سمع صوت صاحب البقالة أسفل البناية وهو يأخذ طلبات أحد الشقق البعيدة، نراه يخرج من الباب مسرعاً غضبان، وينزل ليوبّخ ذلك البائع المسكين طالباً منه أن يخفض صوته عند أخذ الطلبات في المرّات المقبلة، كما يطلب من الناطور في طريقه أن يخفض صوت «خرقة التنشيف» عندما تحتك بسقف السيارة أثناء الغسيل، لأن ذلك يشتت ذهنه ويثير انزعاجه فهو طالب ثانوية عامة، وطالب الثانوية العامة يجب أن يحظى بهدوء المقابر.

الأم تعتذر عن استقبال جارتها لأن لديها ثانوية عامة، والأب يعتذر من قريبه العزّابي الذي يصرّ على زيارته منذ شهر بحجّة أن «المحروس» عليه ثانوية عامة، والصغار ممنوعون من اللعب أو التثاؤب إلى إشعار آخر.

جميع «الموبايلات» مضبوطة على وضعيات صامتة، وصوت التلفاز لا يتعدّى مستوى رقم واحد، جميع المكيّفات مطفأة، حتى مفتاح الغاز قد ركّب له «كاتم صوت» في سبيل تهيئة جو مفعم بالصمت والكآبة والهدوء.

من بعيد،قد تشاهد لافتة قماشية طويلة تنزل من الطابق السادس إلى الطابق الأول، مكتوبة بثلاث لغات: العربية والإنجليزية والأوردية: «السادة سكان الحي الكرام، الإخوة المارون من الشوارع القريبة، أرجو أن تخفضوا أصواتكم قليلاً، فلدينا طالب ثانوية عامة.. بعيد الشّر عنكم».

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

 

تويتر