أبواب

10 سنوات كأنها لم تمر

يوسف ضمرة

كتبتُ قبل 10 سنوات في 14/11/2002 تحديداً، مقالاً في صحيفة الرأي الأردنية، وفوجئت حين أعدت قراءته ببعض ما جاء فيه، وربما جلّه.

ومما قلته في ذلك المقال، وهو بعنوان «أدب السجون»: المعادلة التي دأب المثقفون العرب على طرحها منذ ما يزيد على عقد كامل، هي أن المثقف العربي قد أصبحأ في ما يبدوأ ملزماً بالاختيار بين طرفين: إما الدفاع عن القمع والاستبداد وقيم الشر والظلم التي تجسدها السلطة العربية، أو الانحياز إلى مشروع التغيير على الطريقة الأميركية، التي لا تريد الإعلاء من قيم الحرية والديمقراطية كما تدعي، بمقدار ما تنفذ مشروعاً استراتيجياً استعمارياً، مزخرفاً بالديمقراطية والحرية.

وفيه أيضاً: والمشكلة التي تواجه المثقف العربي في هذه الأيام أمام هذه المعادلة، هي أنه لا يجد مشروعا نهضويا عربيا حقيقيا، كما كانت الحال من عقود طويلة، فالمشروعات العربية الراهنةأ وبأسف شديدأ تراوح بين الماضوية السلفية، والإصلاح الشكلاني الذي يبقي على الجوهر ثابتاً وراسخاً، والالتحاق بالمشروع الأميركي المباشر، على الرغم مما يدعيه البعض من مصادفة في التقاطعات بين المصالح.

ليس ثمة حرف زائد في هاتين الفقرتين المنشورتين قبل 10 سنوات، ويمكن لمن يرغب، أن يعود إلى المقال للتأكد مما أقول. ولا أقول هذا كي أثبت أنني كاتب استشرافي أو منجّم أو قارئ للغيب، وإنما لأقول فقط: إن رؤيتنا لما كان يخطط له في العالم العربي كانت واضحة منذ 10 سنوات على الأقل، بل وحين أقول عام 2002: إن المعادلة يجرى طرحها منذ ما يزيد على عقد كامل، أي منذ بداية التسعينات، فهذا يعني أن هذه الرؤية كانت بدأت في التشكل قبل 20 سنة على الأقل.

هل أعرّج هنا على دور المثقف؟ هل أنتقد؟ هل أشكو؟

إن نظرة عابرة إلى الدول العربية التي شهدت انتفاضات شعبية، تؤكد ما كتبته من دون أي إضافات أو تعديلات، إما الدفاع عن الاستبداد أو الانحياز إلى مشروع التغيير على الطريقة الأميركية التي لا تريد الإعلاء من قيم الحرية والديمقراطية كما تدعي. والمتابع للانتخابات المصرية التي جرت بعد ثورة 25 يناير، يرى الأمر نفسه مجسداً في شكل صارخ، إما الماضوية والسلفية، وإما إعادة إنتاج البنية السياسية والثقافية والاجتماعية التي كانت قائمة. فهل يعقل بعد هذا كله أن نظل أسرى لحلم رغائبي، بينما الواقع ماثل بجبروته كله أمامنا؟ وهل ثمة ما يمكن للمثقف أن يقوم به بعد؟ أجل.. على المثقف أن يترك تلك المسافة النقدية بينه وبين الأحداث والوقائع، لئلا يقع فريسة عاطفته أو مشاعره، أي أن ينحني لغرائزه، التي ستجعله شخصاً آخر.. صحيح أن دوافعه إنسانية ونبيلة، ولكن الدوافع والنوايا الحسنة لا تقودنا دائماً إلى الطريق الصحيح. وإذا ما وقع المثقف تحت رحمة غرائزه، فإنه سيعيد إنتاج أفكار المتلقي والمواطن البسيط المأخوذ بالنشوة في بحر من البشر الطيبين. وإعادة إنتاج أفكار المتلقي تعني ببساطة شديدة أننا لم نتمكن من تقديم رؤية فيها قراءة تقترب من العقلانية، ولم نتمكن من تفكيك الوحدات التي اجتمعت لتشكل حدثاً ما، كي نقدم للقارئ العادي بعداً معرفياً هو في أشد الحاجة إليه الآن أكثر من أي وقت آخر.

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر