«وديمة»

تركت خزانة أحزانها مفتوحة على الوجع ورحلت..

«وديمة» التي قطعت تذكرة مستعجلة على قطار الموت، لملمت رائحتها الطفولية من البيت، مسحت ظل يديها مَنْ على جدار صبرها، سحبت أنينها الصامت، وقبل أن تغلق حقيبة السفر الطويل، احتفظت بخصلة من شعرها المقصوص تحت قدميها ثم رحلت..

❊❊

لاتزال في غرفة «وديمة» دمية مقطوعة الرأس، وأخرى محروقة اليدين، وثالثة منزوعة الشعر، ظلت ملقاة هناك تحت السرير بانتظار عودتك أيتها الجميلة.. ياااه كم تشبهك دماك يا «وديمة».. حتى المكان فيه بعض من ملابسك المعلقة، وبعض من قطعة «حلوى» لاتزال مخبأة تحت وسادتك، وأغنية بقيت يردد صداها أزيز شباكك، كلما هبت عليه ريح الغروب.. فأين أنت يا ياسمينة المكان؟!

❊❊

أعتذر باسم الأبجدية والطفولة والنشيد، أعتذر باسم الأبوة والبراءة والنشيج، أعتذر باسم كل الذين خدعوك يا «وديمة».. وحفّظوك أغنية «ماما وبابا بحبوني».. فقد كنت ترددينها وثمة غصّة في حلقك.. طائر الحرمان كان يعشعش في صوتك المخنوق، لكنك كنت تتقمصين دور المرح لتقطفي ولو بسمة عابرة بين دمعتين.

أعتذر باسم الأقلام والكراسات المجلّدة، باسم الطابور الصباحي وحصة الإملاء.. أعتذر من أصابعك النحيلة التي كانت تحيد عن استقامة السطر، إذا ما حاولت أن تكتبي كلمة «بابا».. كما كان «يحرن» رأس القلم طويلاً في نصف السطر الثاني، عندما تبدأين برسم استدارة الميم ومدّ الألف في كلمة «ماما».. كيف تكتبين ماما وبابا في سطرين متقاربين، وأنت تعرفين أنهما قد «طويا الصفحة» منذ زمن طويل؟!

❊❊

أعتذر باسم الكلمة وحرقة الجرح، أعتذر باسم المفارقة والسخرية والبلادة، أعتذر من عينيك يا «وديمة».. كيف تدرسين في روضة «الخلود»، ومدرسة «السعادة».. ثم تقتلين بهذه السرعة وبهذه التعاسة؟! كيف تجرؤين على هذا الرحيل الصامت الكئيب الهادئ، من دون شكوى أو حتى انتقام؟!

«وديمة» أيها الدمية المسالمة، يا طفلتي النائمة، وعيني الغائمة سامحيني، فموتك.. أخجل أبوتي.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

الأكثر مشاركة