الحضانة للأفضل..
أصبح من الواضح جداً أننا نحتاج إلى إعادة النظر في قانون حضانة الأطفال، ومن الذي يحق له رعايتهم في حالة انفصال الأبوين، وعلى ما يبدو فإن الوضع الحالي المعمول به هو أحد أكبر مسببات العنف تجاه الأطفال، ولاشك في أن «وديمة» هي إحدى ضحايا القانون، قبل أن تكون ضحية لأب غير سويّ، ولن تكون «وديمة» الضحية الأخيرة إن لم نعالج أساس المشكلة.
ما يجري حالياً، وما يشعر به معظمنا، أن حضانة الأطفال ما هي إلا ورقة تهديد وليّ ذراع يستخدمها كل طرف ضد الطرف الآخر انتقاماً، وهي ورقة صعبة يتشبث بها كل طرف ليحرق قلب الآخر، فالأب غالباً ما يفاوض على تملية شروطه، مهدداً بسحب أطفاله، والأم غالباً ما تراوغ أيضاً في حالات كثيرة للحصول على مكتسبات، مستغلة حضانة الأطفال، والنتيجة هي وجود ضحايا لا حول لهم ولا قوة، يتمزقون بين هذا وهذه من جهة، وبين بنود قانون جاف وجامد لا يتماشى مع كثير من المعطيات الحقيقية على أرض الواقع!
من الأفضل، لو أعدنا النظر، أن يذهب الأطفال لأكثر الطرفين أهلية لاحتضانهم ورعايتهم، ولابد من التحقق من ذلك بالوسائل كافة، حتى لو كان ذلك عن طريق عرض الطرفين على طبيب نفسي، وأخصائي اجتماعي، ليتم تقييمهما من جميع النواحي، قبل الحكم في حضانة الطفل.
لابد أن يعتمد القضاة في المحاكم الأسرية المختصة بشؤون الأسرة، على أدوات علمية وأشخاص اعتباريين يدرسون الحالات وينزلون إلى أرض الواقع، ليتحققوا من توافر شروط الرعاية لدى الحاضن، ليس ذلك فحسب، بل التأكد وبشكل دوري على فترات زمنية محددة من استمرارية توافر شروط الحضانة، والتحقق من عيش الأبناء في كنف الحاضن عيشة هنيئة مطمئنة من دون منغصات أو مشكلات تهدد وجودهم وحياتهم.
المفهوم الطبيعي الذي يجب أن يسود، هو انتقال حضانة الأطفال للأصلح والأجدر والأكثر استطاعة، وفقاً لمعايير وشروط محددة يجب أن تتوافر فيه، فلا الأب له الحق في استخدام جملة «أنا أبوهم»، لمجرد ضخ الغيظ في القلوب، ولا الأم لها الحق في الحضانة ومنع الأبناء من أبيهم، إن كان الأب هو الأجدر والأقدر والأكثر تأهيلاً لذلك، هي ليست ورقة مساومة، والأطفال ليسوا سلعة قابلة للتفاوض والعرض والطلب، ومن لا يستطيع تربيتهم فهناك مؤسسات اجتماعية تابعة للدولة ستقوم بالدور إن تطلب الأمر ذلك.
لسنا على استعداد نفسي وحسّي لأن نتقبل تكرار قصة «وديمة»، لا يمكن القبول بهذه الصاعقة التي ضربت الإنسانية في مقتل مرة أخرى، ولا يمكن أن تتوقف مثل هذه الممارسات البشعة بالأماني والكلمات، والحل يكمن في الإجراءات والتغيير، وضمان المرونة في القوانين، وفقاً لمصلحة الأطفال، كما لا يمكن في مثل هذه الأمور الإنسانية المتغيرة، حسب تغيير طبائع وتربية ونفسية البشر، أن نضع قانوناً موحداً يشمل الكل، لا يمكن ذلك بكل تأكيد، وبالتالي لابد أن تكون قوانين الحضانة مرنة ومتغيرة، وفقاً لكل حالة على حدة، فالبشر ليسوا سواسية، وليست كل الأمهات جديرات بالأمومة، ولا كل رجل مهما كان طوله أو عرضه أو غلظ «شنبه» يمكن أن نطلق عليه لقب رجل!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .