كل يوم
الكوريتان..الاستفزاز والحكمة
إذا لم يكن لعدوك شيء يخسره، فلا جدوى من استفزازه، أو حتى الرد على استفزازاته، خصوصاً إن كان هذا العدو من النوع اللاعقلاني، فإن كان هو كذلك، فلتكن أنت عكس ذلك.
تحت هذه السياسة تسير كوريا الجنوبية في مواجهة شقيقتها العدوة كوريا الشمالية، فهي تتميز بحكمة بالغة في التعامل مع استفزازات الشماليين المسيطر على تفكيرهم أسلوب العنف والقوة والتهديد والوعيد بالسلاح والقنابل النووية وغير النووية.
الوضع بين الكوريتين جدير بالاهتمام والترقب والدراسة، فهو شبيه إلى درجة كبيرة بدولتين نعرفهما جيداً، دولة يسيطر على تفكيرها منطق القوة والسيطرة العسكرية، والسعي لامتلاك أسلحة الدمار والقنابل التقليدية والنووية، وتتعامل بعقلية الخمسينات وما أقدم منها في التحدث بمنطق إعداد الجيوش والقوة العسكرية، والاستعلاء والاستكبار واستفزاز الآخرين، في حين تعاني اقتصاداً مهلهلاً، وشعباً جائعاً، ومدناً متأخرة عن ركب العالم بسنوات طويلة، ودولة أخرى أضعف عسكرياً، لكنها متطورة للغاية اقتصادياً، وشعبها يعيش حياة كريمة، والتطور التقني والحضاري والعمراني ينتشر في مدنها كافة.
التعامل مع هذه العقليات يجب أن تسيطر عليه الحكمة والصبر المطلق والتروي والهدوء، وهذا ما يفعله الكوريون في سيؤول، ليس جبناً وإنما هو حفاظ على وطنهم واقتصادهم، ودولتهم المتطورة جداً، التي استطاعت أن تصل الى عاشر قوة اقتصادية عالمية، في حين أن جيرانهم المهووسين نووياً لايزالون في مجتمع مغلق للغاية، ليس للإنسان فيه أية حقوق أو كرامة.
ليس لدى الشمالية ما تخسره اقتصادياً أو عمرانياً في حال شنها حرباً على سيؤول، في حين أن الأخيرة التي عانت ويلات الحروب والاحتلال استطاعت النهوض في أقل من 50 عاماً، ولديها إنجاز اقتصادي وحضاري وعمراني، مطلوب منها حمايته وصيانته والمحافظة عليه، وتالياً فهي تسير وفقاً لسياسة ضبط النفس إلى أبعد الدرجات، والصبر على استفزازات أهل الشمال كافة، فهم كما يقول أحد مسؤوليهم «لن نضيع بلدنا بضربة صاروخ نووي واحد من عدو ليس لديه ما يخسره»!
منتهى الحكمة، فالانجرار وراء حماقة الأحمق لا تخلو من الحماقة، والصبر على استفزازاته من أجل هدف أرقى وأسمى هو مصلحة وأمن واستقرار بلد متطور، ذكاء وليس ضعفاً، والتركيز على التطور الاقتصادي والتفوق اقتصادياً وتجارياً وبناء صناعة أهم بكثير من التركيز على صنع الصواريخ وامتلاك الأسلحة النووية.
زيارتي الأخيرة إلى كوريا الجنوبية جعلتني أعشق تجربتها وسياستها وتطورها التقني والاقتصادي، كل ذلك وصل إليه الكوريون بسبب الإرادة وحب الوطن، إضافة إلى سبب مهم، هو التركيز على التعليم والتعليم ثم التعليم!
تجربة متميزة تستحق منا الدراسة والتمحيص كثيراً، فهم بالنسبة إلينا طريق يمكن الاهتداء به.
وقبل أن أختم مقالات الإعجاب بكوريا الجنوبية، أحب أن أصحح معلومة ذكرتها أمس، في ما يتعلق بتفوق سامسونغ على مايكروسوفت في الأرباح، فالتفوق هنا مرهون بالعائدات فقط، أما أرباح مايكروسوفت الأميركية بشقيها المبيعات والتشغيل فإنها أعلى بكثير من سامسونغ، وهذا لا يقلل من الأخيرة بكل تأكيد.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .