نزهة قصيرة
أحتاج إلى دكتور «جينات» صريح وخبير، حتى يشرح لي بالضبط اسم الـ«جين» المسؤول عن ارتباط النزهة بـ«العكننة»!
منذ أن غدوت رب أسرة بمحض المصادفة، وأصبحت الرجل الأول في تنظيم العائلة، لا أذكر أننا قمنا يوماً برحلة قصيرة خارج البيت، أو حتى فكرنا في الخروج، إلا تشاجرنا (نحن العائلة الكريمة)، بجميع مرتباتها، ودبّ الخصام بين مختلف الأطراف والقوى من دون سابق إنذار.
لذا صرت أعرف ما إن يلحّ عليّ الأولاد بضرورة الخروج للتنزّه أدرك في قرارة نفسي أن «النكد» قادم لا محالة.. عشرات الرحلات انتهت منذ أول «يو تيرن»، وعشرات الرحلات ألغيت قبل الخروج من باب الشقة.. ومثلها قبل الوصول إلى مكان الانبساط.
أحياناً تكون الأسباب التي تشعل فتيل الأزمة تافهة جداً، بل غير لافتة لو جرت في البيت، لكنها تكبر وتصبح عظيمة وأم المشكلات، بمجرد حدوثها في إحدى مراحل النزهة.. مثلاً بعد جهد مضنٍ في ترتيب الأغراض ومفارش الجلوس، ووضعها في صندوق السيارة، ووضع قوارير الماء، وسخانات الشاي، و«الكولا دايت» بين رجلي الأولاد.. وأثناء محاولات الخروج من الشوارع الفرعية في الحي، تقوم بسؤال «المدام» على سبيل التذكير: «حطيتي قصدير الأرجيلة (الشيشة)؟»، تصمت قليلاً، ثم تفاجئك بأنها قد نسيت «القصدير والملقط» في المطبخ.. هنا، وحسب طقوس الرحلات، يجب أن تثور، وتبدأ تلوم.. وتهدر.. وترفع صوتك بانزعاج.. ثم تطلق جملة معترضة، تهدد فيها أحد الأولاد، إذا ما لمحته يخرج رأسه، أو يلصق شفتيه على زجاج النافذة: «فوّت راسك ولااااااااا». ثم تعود إلى الموال نفسه: «يا سلام.. لا قصدير ولا ملقط»! «شو فايدة الطلعة؟».. افففففف.. وحسب بروتوكول الرحلات تحاول «المدام» الدفاع عن نفسها بأن نسيان «القصدير والملقط» ليس نهاية العالم.. فتعود وتصرّ على أنها «نهاية العالم ونصف».. ثم ترد عليك بكلمتين استفزازيتين.. ما يجعلك لا شعورياً.. تضع غمّاز اليسار.. «يو تيرن»، أول يمين، ثم أول يسار، ثاني يمين.. ثم أول يسار.. وإذا بك تصف أمام بيتك طالباً منهم النزول جميعاً بعد أن قررت إلغاء الرحلة.
إلى فترة قصيرة كنت أعتقد أنها سلبية شخصية تخصني وحدي، ثم اكتشفت من خلال البوح لأصدقاء كثيرين أن نصف الرجال الشرقيين، تقريباً، يعانون خللاً في «جين» الانبساط.. يجعلهم دائماً عرضة للنزق، و«العكننة» العائلية.
هل ثمة علاقة بين الشرق و«النكد» المزمن؟
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.