5 دقائق
إغاثة اللهفان
ثبت في الحديث عن أَنَس رضي الله تعالى عنه أَن النبِيّ صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلم قال: «الدال على الخير كفاعله والله يحب إغاثة اللهفان»، ومن حديث ابْنِ عَباس، رضي الله تعالى عنهما، أن رَسُول اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ قال: «كُلّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَالدالُ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ، وَاللهُ يُحِب إِغَاثَةَ اللهْفَانِ»، واللهفان هو المكروب، ومثله الذي مسته ضراء الحياة ولأواؤها، فإن من لم يجد قوت نفسه وعياله أو أضنكته الحياة من الجوع والخوف والقحط هو من هؤلاء الملهوفين الذين يكون من أغاثهم أدرك هذه المحبة الإلهية التي يسعى لمثلها عقلاء البشر؛ فإن محبة الله تعالى بغية كل عاقل، فإنه يكون في محل سمع الله وبصره ورعايته وعنايته، كما ثبت في الحديث القدسي «.. كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه..»
هذه المحبة تدرك بعمل يسير كهذه الإغاثة التي دعا إليها ولي الأمر، حفظه الله تعالى، ووفقه لنجدة الشعب اليمني الذي مسته البأساء والضراء؛ من حروب وخوف وغلاء وقحط وفقد الأعمال، وهم إخوة في العروبة والإسلام، وجيران في الجزيرة، وأهل فضل على الإسلام والأرومة العربية، الشعب الذي كانت أرضه جنتين، وأهله في طلائع الفاتحين في سائر الميادين، الشعب الذي تفرقت أفلاذ كبده في الخافقين فنفعوا البلدان وبني الإنسان بالمعارف والهداية والرشاد.
هذا الشعب الذي كان يوماً ما مصدر عطاء وفضل، قد تبدلت أحواله وأصبح في حال يرثى له، لا يسر العدو اللئيم فضلاً عن الصديق الحميم.
ها هي الإغاثة تنطلق من قيادتنا الرشيدة لإغاثته من ضرائه ولأوائه، وهي جديرة بالشكر والامتنان؛ لأنها تدل على خير، وتنفع أهل الضير، فمن منا لا يريد أن يكون ممن شملتهم محبة الله تعالى التي هي سعادة المرء في دنياه وآخرته، بشيء من متاع الدنيا قليل، لو وزن بما أعده الله لأهل محبته لكان نزراً يسيراً بجانب ذلك الفضل العظيم، وهي دعوة سبقها عطاء كريم، يليق بمقام المُهدي ـ متعه الله بوافر الصحة وكمال العافية ـ ويدل على كبير اهتمامه بإخوانه وأشقائه، وقد كان من محبته لشعبه ومحبيه أنه لم يرد أن يستأثر بذلك الفضل، فأشركهم فيه ليكون لهم نصيب من ذلك الفضل المعد للمغيثين، فإن هذا الشعب يحتاج إلى الغذاء والدواء، والتعليم والمأوى، يحتاج أن يأمن من ظلم البغاة والطغاة، يحتاج أن يزرع ويصنع، يحتاج أن يكون اليوم كما كان في الأمس، هادياً معلماً فاتحاً، يحتاج إلى أن يستشعر أنه ليس وحيداً في ميادين الوغى لدحر فلول أولئك الذين يقولون من قول خير البرية ولكنهم يمرُقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يحتاج الكثير من الكل للكل، فما له من ناصر أو معين إلا مثل هؤلاء الرجال الرحماء الحكماء الذين هم أهل لكل فضل وفضيلة، وها هي دعوة صاحب السمو الشيخ خليفة قد انطلقت وعطاياه قد وصلت، فما بقي إلا التنافس في هذا الخير، والتسابق إليه، فلا ينبغي لكل ذي سعة أن يألو جهداً في بذل ما تجود به نفسه وإن قل، فقد يكون اتقاء النار بشق تمرة، ولعله يكون في ظل صدقته يوم القيامة.
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .