مزاح.. ورماح

لؤم اجتماعي..

أحمد حسن الزعبي

إذا أفلَتَ من إشارة استفهام وقع في إشارة تعجّب، وإذا أفلت من إشارة تعجّب أطاح به قوسا الحاجبين المرتفعين، مع جملة عادة ما تطلق بعد الكشف عن حالته الاجتماعية: ول شو بعدك بتسوي؟

«العزّابي» أكثر كائن حيّ تطارده النظرات والأسئلة والاستفسارات حول سرّ بقائه «عزّابياً» كل هذا الوقت. قال لي صديق: لقد هلكوني! ناهيك عن أهلي الذين تركوا كل قضايا الشرق الأوسط، وسخّروا طاقاتهم وأوقاتهم لحل مشكلة ارتباطي، وناهيك عن كلمات: «خلااااص»، «بكفي»، «يا الله شدّ حيلك»، «ما ظلّك حجة»، التي اسمعها يومياً منهم، ومحاولة استحضار أرواح «بنات الحلال» عبر قوائم جاهزة ومعلّبة مع كل سهرة أو لمّة عائلية، فقد انتقلت عدوى السؤال إلى المحيط الأوسع.

مثلاً إذا قمت بشراء باكيت دخان من «الدكنجي» الذي في آخر حارتنا سألني: بعدك ما تجوّزت؟ وإذا اشتريت رغيف خبز واحداً قال لي الخباز: يا عمي أنت عزّابي ورغيف بكفيك! وإذا طلبت وجبة شاورما عربي قال لي عامل المطعم: خلاص يا عم أتجوز واتستتّ بقى! وإذا ضيّفت زميلاً فنجان قهوة: قال لي «بعرسك». المشكلة أنه إذا أطلق هذه الأمنية، أي «بعرسي»، بحضور عدد من الضيوف أو الزوار، فالكل سيسألني: بالله بعدك عزّابي؟ شو بعدك بتسوي؟ لحّق حالك! يعني في عندك مشكلة؟ هذا عدا الهمس والتخمين والتوقّع وربط الأسباب التي عادة ما يطلقها الأقارب والجيران والمهتمون، وغالباً ما يتبعونها بـ«الله يعينه»، حتى خطيب المسجد إذا ما لمحني دخلت المسجد متأخراً قلب موضوع الخطبة من برّ الوالدين إلى ضرورة إكمال «نصف الدين»، من دون سابق تحضير.

من أجل كل هؤلاء، ومن أجل الخلاص من «دبق» أسئلتهم، ألغيت مشروعاتي التي كنت أنوي القيام بها، ووضعت «حجراً» ضخماً على رأس طموحي و«انضربت» على عيني وتزوّجت، كما يفعل كل الناس. الغريب أنه بعد زواجي لم يكترث بي أحد، ففجأة ذاب ملح السؤال الذي كان «يحرق عيني خجلاً»، ولم يعد أحد يهتم بخطوتي التي «قلعطوني» لأجلها. حاولت إبراز «الدبلة» بشكل سافر ونافر أمام «الدكنجي» والخباز وعامل المطعم، لأعلن لمن لا يعلم أنني تزوّجت تماماً كما طُلب مني، كما بدأت أتكّرش عن سبق إصرار وترصد، وأذنت لبطني أن يتدلى من على خصري، ولقميصي أن ينفلت من تحت الحزام، لأقول لهم لقد أصبحت رب عائلة كما كنتم تتمنون، لكن أحداً لم يكترث بي أيضاً، إذاً لماذا كانوا يمطرونني بكل تلك الأسئلة المؤلمة والملحّة وأنا في قمة حريتي وسعادتي وطموحي! قلت له: لا أجد تفسيراً لما سبق، فالعاطل عن العمل هو الآخر يقذفونه كل يوم بألف سؤال: لسه ما اشتغلت؟ والمتزوّج حديثاً: بعدك ما خلّفت؟ والراسب في الثانوية العامة: هسّع بأي جامعة؟ المسألة ببساطة لا تعدو أن تكون واحداً من أعراض «اللؤم الاجتماعي الحميد».

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر