5 دقائق
عنصرية بطعم آخر
بعدما تحرر الأوروبيون من الأغلال التي ربطت حول رقابهم في القرن الخامس عشر، وانطلقوا يغزون العالم طولاً وعرضاً وشرقاً وغرباً، اطلعوا على الفروق الشاسعة بين شعوب العالم في اللون والمظهر والتقدم الحضاري، فاعتبروا الشعوب البدائية امتداداً لتناسل بشري من أجداد يشبهون القرود! ثم مع ظهور علم الجينات تمت قولبة المفاهيم مرة أخرى، وأصبح الأوروبيون يعتبرون أنفسهم أذكى من الأفارقة وأذكى من «الأبورجين» سكان أستراليا الأصليين!
يقول البروفيسور «جارد دايموند» في كتابه «أسلحة: جراثيم وفولاذ»: «على الرغم من أن المجتمع الغربي ينبذ العنصرية رسمياً فإن كثيراً من الغربيين مازالوا يقبلون التفسيرات العنصرية إما سراً أو عن طريق اللاوعي، وفي اليابان ودول أخرى كثيرة تعرض مثل هذه التفسيرات علناً ومن دون أي اعتذار».
رسمياً، لا يوجد مجتمع لا ينبذ العنصرية بكل أنواعها وأشكالها التي هي مثل فيروس الإنفلونزا الذي يرتدي فستاناً «آخر موضة» في كل مناسبة وبائية! فيقيم الأرض ولا يقعدها كما حصل مع إنفلونزا البقر والطيور والخنازير! ويدفع شركات الأدوية إلى أن تجد عقاراً جديداً يجرده من ثوب الزور الذي لبسه ثم يعيده إلى أصله «المايكروبي» الذي خلق عليه!
لكن على الصفة الشعبية تتسلل العنصرية إلى المجتمع من أبواب متنوعة ومنها باب الأمراض المعدية، التي في مقدمتها مرض «الإيدز»، الذي ينتقل عادة بالاتصال الجنسي أو نقل الدم، ولا ينتقل بالمصافحة أو المحادثة أو المجالسة أو السلام من بعد ميل! فيفرض على المصابين بالإيدز حجراً اجتماعياً بسبب كونهم يحملون خطيئة ما! مع أنهم قد يكونون لا ذنب لهم سوى أن القدر قد اختارهم ليكونوا مصابين بهذا الفيروس «اللعين» والمستعصي على العلم، على الرغم من أن مرضى الإيدز في الدول المتقدمة يعيشون حياة طبيعية تمتد لأكثر من ثلاثين سنة بسبب العقاقير الجديدة التي تثبط نشاط الفيروس، ولا أستبعد في المستقبل القريب أن يوجد له علاج يقضي عليه تماماً.
قد يقع الاختيار علي أو عليك في المستقبل لننضم إلى قائمة المصابين بالإيدز، فهذا ابتلاء قد يحدث من نقل دم بطريقة خاطئة! وقد يكون أحدنا وهو يقرأ هذه السطور مصاباً بهذا المرض وهو لا يعلم! للأسف هناك خلل في طريقة استقباحنا بعض الأمور، فلقد أصبح ذكر الإيدز عندنا مقترناً بذكر اللعنة والعذاب والعقاب، فصارت هذه الثنائية تثير التشاؤم كلما ذكرت، وإذا دخل أحد المصابين بالإيدز دائرة أو مؤسسة ما فإنه تقوم القيامة في ذلك المكان وتعلن حالة الطوارئ وتبعث المسجات التحذيرية عن طريق الـ«بي بي» والرسائل الخاصة، وتقرأ كلمة «خطر» على جبين المصاب وهو يبتسم، وهو يسلم، وهو يسأل! حيث يحرص كل من يكلمه على ترك مسافة مترين بينهما، وإذا اضطر إلى مصافحته يهرول إلى أقرب دورة مياه لكي يمسح آثار الخطيئة بالصابون الجاف!
twitter : @drmentalist