كلمة للمسافرين

مع حلول الإجازة الصيفية للطلاب، كان هذا الوالد قد رتب إجازته مسبقاً، ونظم أمور السفر كافة، من لحظة خروجهم من المنزل إلى حين عودتهم إليه مرة أخرى، فالسفر بالنسبة إليه متعة وراحة وقرب أكثر من الأسرة والأبناء، وهذا الترتيب المسبق جنّبه غلاء الأسعار، فليس هذا الوالد من فئة من يستدين ليسافر، إنما يسافر من حرّ ماله وكده وتعبه، فقد أعد ميزانية السفر، وخطط لأدق التفاصيل، مع توكله على الله سبحانه وتعالى.

وصلوا إلى المطار قبل وقت الرحلة، وكل شيء على ما يرام، فلما ركبوا الطائرة نبّه زوجته وأبناءه إلى دعاء السفر، فكلمات هذا الدعاء النبوي العظيم قليلة، لكن معانيها جليلة جداً، فإذا حان وقت الصلاة في الطائرة جمَع وقصَر بين الصلاتين، خصوصاً أن السفر طويل، وسيخرج وقت الصلاة الثانية بوصوله إلى البلد الآخر، فهذا الوالد الكريم يعلم أن الطاعات تؤدى ولو كان الإنسان مسافراً، فمن وصايا النبي، عليه الصلاة والسلام: «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم».

فإذا وصل إلى البلد الآخر، راعى قوانينه وأنظمته، فقد قرأ عنها قبل أن يصل إليه، مجنباً نفسه وأسرته أي إحراج أو مواقف لا تحمد عقباها، وإذا نظرت إليه كيف يعامل أسرته وقت السفر علمت أنه صاحب خلق حسن وأدب عظيم مع أسرته، خصوصاً مع الناس بشكل عام، يخفف عن زوجته ويشاركها الاهتمام بالأبناء، فليس من المعقول أن تتولى الزوجة الاهتمام بكل ما يتعلق بالسفر وزوجها يغط في نوم عميق! أما في حديثه وملاطفته أبناءه فهنا يضرب هذا الوالد أروع النماذج في حسن الخلق، فهو يريد من سفره هذا أن يكون قريباً من أبنائه، فلا هواتف مزعجة، ولا رسائل إلكترونية مقلقة، إنما هو وقت مخصص للأسرة فقط، زوجته وبناته في لباس محتشم ساتر، فلو تغيرت البلدان عليهم تبقى أسرته تعتز بقيمها الإسلامية والعربية، وإذا حان وقت الصلاة لم يفرط فيها، والحمد لله الذي يسّر على عباده فشرع لهم جمع وقصر الصلاة في السفر، وهو أيضاً في سفره يحرص على تناول الحلال، فليست جميع الأطعمة يصلح تناولها للمسلم، وبعد أيام جميلة طيبة، رجعوا إلى الدولة مرة أخرى، وذكريات هذا السفر الجميل في نفس الزوجة والأبناء لا تنسى أبداً، وكلهم يقولون لوالدهم الكريم: جزاك الله خيراً.

هذه هي حال بعض الكرام في أسفارهم مع أهلهم خصوصاً، أما حال بعض الناس في السفر العائلي: فسوء خلق وغضب وصراخ، وضغط نفسي هائل، حتى كأن الأسرة تقول لهذا الوالد: ليتنا لم نسافر معك، فلا تكن من هذا النوع، وتذكر حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله».

 

مدير مشروع مكتوم لتحفيظ القرآن الكريم في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي

@alkamali11

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة