من المجالس
إرهاصات رمضان
يقول الأولون إن مقدمات شهر رمضان تهل مع هلال رجب، وتزداد وقعاً مع دخول شهر شعبان، ثم ترتفع وتيرة الإحساس بقرب قدوم الشهر الكريم عندما يتوسط بدر النصف من شعبان السماء، فتملأ ريح رمضان المكان عبقاً ابتهاجاً بقرب تشريف الضيف الكبير، فيبدو كل الناس في مشهد درامي بقلوب خافقة ونفوس مقبلة استعداداً لأداء واجب الوفادة بأعلى معايير كرم الضيافة، طلباً للقبول وطمعاً في دخول فناء الرحمة من جميع أبوابه.
في هذا الزمان لاتزال هذه الأجواء عامرة في بعض النفوس التي لاتزال تملك وسائل اتصال قوية مع أصل المعنى وحقيقة المقصد، بينما تهيمن البيئة العامة والأجواء السائدة لدى معظم الناس على كثير من تفاصيل المشهد. مقدمات رمضان صارت الآن تأتي عبر أخبار السوق ومهارات التجار في فن الاستئثار، وكفاح وزارة الاقتصاد لصد هذه الهجمات المفخخة. وعلامات الشهر الكريم هذه الايام أصبحت تظهر من خلال القنوات الفضائية بأضواء كاشفة تحجب وميض الهلال ونور البدر، تتنازع اهتمام الناس وتتصارع على إشغالهم بعزف من آلة الإعلان الجرارة. يبدأ هذا التشويش من حيث يفترض أن تبدأ مقدمات الشهر مع هلال شهر رجب، وتعلو وتيرته في شعبان، ثم تزداد طرقاً ونقعاً مع اقتراب زوال هلال شعبان.
وفي السنوات الأخيرة صار الضجيج يعلو على وقع مسلسل مثير للجدل، نجح صُنّاعه في لفت الانظار عن تعارض منتجاتهم التقليدية مع مقاصد رمضان، ليوجهوا الانظار والاهتمامات نحو التاريخ والدين ورموزه، وليسحبوا من خلاله كل الاهتمام عن رمضان الفريضة والعبادة والثقافة والمعنى إلى حرب الفتاوى ومعارك كسر العظام.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .