من المجالس
الحجر.. والبشر
اشتاط العالم «المتقدم» غضباً عندما قامت جماعات مسلحة من المتشددين بالاعتداء على أضرحة ورموز ثقافية في مالي، بينما يتجاهل هذا العالم أخبار المذابح التي أزهقت حتى الآن أرواح الآلاف من المسلمين في بورما.
في المشهد الأول ذهبت دول غربية ومنظمات دولية إلى حد الإعلان عن الرغبة في إرسال قوات إفريقية، بدعم لوجستي أوروبي ودولي، لدحر المتشددين، وحماية الأبنية المستهدفة والمسجلة من قبل منظمة اليونسكو في قوائم التراث العالمي. وفي المشهد الثاني لاتزال هذه الدول والمنظمات تشيح بوجهها عما يحدث في جمهورية ماينمار (بورما) من سفك لدماء آلاف المسلمين وتهجير عشرات الآلاف، وتتجاهل التقارير التي تؤكد المزيد من جرائم الاغتصاب وتخريب البيوت ودور العبادة، ولا تلتفت الى أكثر من 700 ألف لاجئ من أقلية «الروهينغا» المسلمة الذين يعيشون في أسوأ الظروف في بنغلاديش، التي تسعى حكومة رانغون لتوريطها باستقبال كل مسلمي بورما على أراضيها، بعد اكتمال عملية طردهم.
ماذا لو قلبنا الصورة ليكون المسلمون هم الطرف المعتدي وغيرهم الضحية؟ كيف سيكون رد فعل العالم والغرب خاصة؟ فإذا كان الاعتداء على المباني من قبل مجموعات شاذة، تحمل صفة الإسلام، قد استلزم الدعوة إلى تحريك الجيوش، فإلى أي مدى يمكن أن يصل الاستنفار لو كانت الأهداف هي أرواح البشر التي حرمتها كل الشرائع السماوية والقوانين الأرضية؟ ستبقى للمتطرفين والمتعصبين مساحات واسعة من الأرض يعبثون فيها مادام هذا العالم يصرّ على اعتماد تفاسيره المختلفة لمعنى الإنسانية، ووضع معاييره المزدوجة لمفهوم الحضارات، ومواصلة انتقائيته في تطبيق القانون الدولي، لينكشف في أبشع صوره عندما تكون قيمة الجماد أعز وأشرف من دم الإنسان.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .