حق رمضان وحق الأوطان
ما أحسن أن يأتي رمضان والناس في أمن وأمان، يعرفون فيه حق الملك الديان، وحق الأوطان، وما يجب فيها لولاة العدل من آل مكتوم وآل نهيان؛ إنه يكون شهراً مفعماً بالراحة والاطمئنان، ويعيش الناس فيه بين صيام وقيام وذكر للملك المنان، الذي تفضل في هذا الشهر بجزيل الجود والإحسان.
تلك هي أمنية عقلاء الناس عامة والمسلمين خاصة، فإن لرمضان عليهم حقاً أن يفرحوا بنعمة الله فيه، وفضل الله عليهم في أيامه ولياليه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرح بذلك ويفرح أصحابه فيبشرهم بمقدمه فيقول: «أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم»، وربما خطب فيهم فيقول: «يا أيها الناس، قد أظلكم شهر مبارك، فيه ليلة خير من ألف شهر، فرض الله فيه صيامه، وجعل قيام ليله تطوعا..»، كل ذلك ليكون الشهر موسماً يُقبلون فيه على مولاهم بكلياتهم؛ يتنافسون فيه بالخيرات، ويسارعون فيه إلى جنة عرضها السماوات والأرض، هكذا يكون شهر رمضان لدى الناس. فإذا جاء الناس ما يشغلهم عن هذا التنافس ووظائف رمضان الأصلية، لم يجد الناس لذة الصوم ولا توجهوا بكلياتهم للعبادة، فلماذا يكون ذلك وفي الناس غُنية عنه، فهم في أرض هذه الدولة مغتبطون على نعم كثيرة، أجلها عدل الحكام، والأمن الذي يضرب بجِرانه في كل بيت وشارع ودكان وسوق وتجمع وفندق وسيارة وطيارة.. ورغد العيش الذي عم الصغير والكبير، والمواطن والزائر، والمساواة في الحقوق والواجبات بين الراعي والرعية، والمواطن والوافد... أفما لهذه النعم من شاكر؟ وما لهذه الفضائل من ذاكر؟ وما لهذا العدل من معين مظاهر؟
ليت أن هذه الظاهرة التي تطل برأسها تعلم قول الله تعالى: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُل مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}، فتجد من هذا المثل عِبرة وعِظة، فإنما يضرب الله تعالى الأمثال للناس ليعقلوها ويستفيدوا منها، وليس هذا قاصراً على أهل مكة الذين كانوا سبب نزولها، بل تجُر بذيلها لكل قرية وبلدة لا تشكر النعماء، ولا تتقي البلواء، فإن سنة الله تعالى لا تتبدل، بل تجري حسب قوانين إلهية وضعها لعباده، فمهما كانت أحوالهم مشابهة لغيرهم حل بهم ما حل بغيرهم، فهل يريد من يحاول شق عصى الطاعة أن يجعل هذا البلد مسرحاً للأحداث التي تنوءُ بحملها الجبال الرواسي، وتحملها الرقاب العواصي، فأين يجد الناس أياً كانوا وأينما كانوا وفي أي زمان كانوا ما يجدونه في هذه الدولة الصاعدة للمآثر والمفاخر كصعود مكوك الفضاء إلى دارة المريخ أو زحل، بخطى ثابتة، وقوانين صارمة، وعدالة شاملة؟ ناهيك عن شريعةٍ حاكمة، وشعائر ظاهرة، وفضائل شاملة، فماذا يُراد للأمة أكثر من هذا الذي يبحث عنه الثائرون المطحونون في فقرٍ مُدقع، وخوف مفزع، وجَور مروع، فثاروا على كل ذلك، فكان لهم من الناس ظهير ومن الحق نصير، أما هؤلاء المغرورون فما لهم من شافعين، ولا صديق حميم، والله يهديهم سواء السبيل.
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .