اللهم إني صائم
«إني صائم»، توجيه نبوي شريف للصائم ليحفظ صيامه من الجرح والبطلان إذا سبه أو شتمه أحد، فهل أصبح الاعتداء اللفظي اليوم هو الداعي الوحيد لكي يردد الصائمون هاتين الكلمتين كيلا يكون لهم من صيامهم غير الجوع والعطش؟ أحسب أن طرق الاعتداء الآن تنوعت وتشعبت حتى أصبح التلفظ بتلك العبارة الوقائية ضرورة ربما تتقدم على بقية الأذكار في الشهر الفضيل! ولو اقتصر الأمر على جهالة هنا أو كلمة نابية هناك لما احتاج أكثر الناس إلى التذكير بأنهم صائمون لو قرروا الجلوس في بيوتهم.
فعموم المشهد صار مدعاة لجرح الصيام بلا حاجة الى سب أو شتيمة. وما عاد اللسان والآذان هي فقط أدوات ذلك الجرح ومصدر ذلك التحذير، بل بلغ الحصار كل الجوارح، ووصل أذاه الى داخل البيوت، واستشرى في كل زوايا المدن، وأصبحت العيون منافساً قوياً للآذان في تلقي ما يجرح الصيام في الأسواق والمراكز التجارية إذا اضطر الصائم الى زيارتها لقضاء حاجة، وداخل البيوت إذا رغب في قضاء وقت مع عائلته أمام شاشة التلفزيون، وفي المجالس والخيام الرمضانية، إذا أحب أن يخرج من عزلته ويختلط بمحيطه.
والعجيب اليوم أن القول بذلك أصبح مصدر وصف لصاحبه بالتزمت والتعصب، بل ربما أصبح هذا قاتلاً للبهجة وكارهاً للجمال وعدواً للترويح عن النفوس. فهل هي متطلبات العصر التي نتشفع بها كلما أردنا التأخر خطوة، أم هي ثقافة التبرير التي أصبحت غالبة؟
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .